فقراء خارج التغطية

غرقت الصحف ووسائل الاعلام، خلال شهر رمضان المبارك بأخبار واعلانات، تتعلق بأعمال الخير ومساعدة الفقراء،وهي ظاهرة حميدة تستحق التشجيع، وياليتها تتواصل بنفس الزخم على مدار العام،وكانت اكثر المبادرات اثارة للاهتمام والاطراء، تبرع رجل اعمال اردني مقيم في دولة الامارات، حرص على عدم ذكر اسمه، بمبلغ ثلاثة ملايين دينار لمساعدة الفقراء عبر صندوق الزكاة، ولا يخلو الامر من انتهاز البعض المناسبة للتسويق وتسجيل المواقف، وفي ظل الغبار الاعلامي الكثيف الذي رافق عمليات تقديم المساعدات، لوحظ تجاهل بعض الأسر المعوزة، وهي ملاحظة رصدها العديد من المراقبين، وأحست بها بعض الأسر العفيفة.

ويبدو ان الآليات المعتمدة لتوزيع المساعدات، واسس تعريف مفهوم الأسر الفقيرة، ومن يستحق المساعدة فعلا اصبحت تعاني من الجمود، وثمة حاجة لاعادة النظر فيها لجهة تطويرها، وتوفيقها مع مستجدات تفرضها ضغوطات الحياة المتزايدة، والصعوبات الاقتصادية التي تزيد مساحة الفقر.

ورغم ادراكي، بأن رسالة الصحفي ليست التوسط لدى الجهات المعنية بالعمل الخيري، لتقديم المساعدات لهذه العائلة الفقيرة او تلك، بل البحث عن الحقيقة وكشف مواطن الخلل والتنبيه لها،لكنني حاولت استثمار مناسبة الشهر الفضيل، وخاصة عندما بدأت عمليات توزيع «طرود الخير» لعرض حال أسرة، تكاد تكون معدمة، ولا تجد ما يسد رمقها، لكن الامر المؤسف ان رياح المساعدات لم تصلها، واجزم ان شهر الصوم كان شديد القسوة عليها!.

أبلغني أحدهم ان « فاعل خير»، يسأل عن عائلات مستورة لمساعدتها، فزودته بعنوان تلك العائلة،ومر رمضان دون ان يصلها شيء من مساعداته! وهاتفت مسؤولاً عن طرود الخير، وسألته عن الأسس المعتمدة لتوزيع «الطرود» لعلها تصل الى العائلة المستورة،فأبلغني بأن عملية التوزيع تتم من خلال مديريات التنمية الاجتماعية والحكام الإداريين في المحافظات والالوية، فاتصلت بمدير التنمية الاجتماعية في ديرعلا، المنطقة التي تسكن فيها العائلة «ناجي علوان»، فأرسل في اليوم التالي باحثا اجتماعيا للاطلاع ميدانيا على اوضاع العائلة،وقد اكتشف حقيقة الظروف «المأساوية» التي تعاني منها العائلة، حيث تسكن في غرفة واحدة بائسة، وتستعمل مطبخا أشد بؤسا ايلا للسقوط، ولست متأكدا ان كان لديها دورة مياه!.وتبين لمديرية التنمية الاجتماعية، ان العائلة المكونة من «كوم لحم»، بحاجة ماسة الى مساعدات متكررة، « ستة ابناء اكبرهم صبية في الصف الاول الثانوي بالاضافة الى الوالدين»، ليس لديهم أي مصدر دخل في وقت اصبح فيه خط الفقر نحو «680» دينارا للفرد سنويا، حسب نتائج اخر مسح حول الفقر أعلنته دائرة الاحصاءات العامة قبل بضعة أشهر، وأظن ان البحث الاجتماعي ينبغي ان يتضمن سؤال الأسرة: كيف تبقى على قيد الحياة؟ حتى ان العائلة رزقت بطفل جديد، و«هذه مشكلة أخرى»!، لم يتم تسجيله في دائرة الاحوال المدنية، الا بعد مرور نحو ثلاثة أشهر بسبب بؤس الحال!.

ورغم ان مدير التنمية الاجتماعية، أبدى اهتماما وتجاوبا سريعا، لكنه اصطدم بالأسس والتعليمات، حتى ان توزيع طرود الخير لم تشمل العائلة!.وحسب الشروط يجب ان يكون الأبناء «أيتاما»، أو ان يكون رب الأسرة غير قادر على العمل، ويعاني من عجز بنسبة لا تقل عن 75%، وان لا يكون بين أفراد الأسرة شخص يعمل، والحقيقة ان رب الأسرة على قيد الحياة ولا يعمل،وهو يعاني من ظروف صحية، لكن لا ينطبق عليه شرط ال«75%»، وقد فكرت بالاتصال او مقابلة وزيرة التنمية الاجتماعية لعلها تجد مخرجا يتجاوز الشروط الجامدة، يوفر الحد الادنى من الحياة الادمية للأسرة، او ان «تتوسط» لايجاد فرصة عمل للزوجة او الزوج، لكنني عدلت وفضلت الكتابة عن الحالة، وافترضت وجود عائلات اخرى تمر في ظروف مشابهة ولا يصل صوتها ! .

واتصلت ايضا بجهات أخرى مهتمة بالعمل الإنساني، وتقديم مساعدات للفقراء،بينها « تكية ام علي» وصندوق الزكاة» ونادي العون الإنساني «،لكن المؤسف ان العائلة المذكورة بقيت خارج التغطية،بسبب شروط وأسس ليست مقدسة، أليس الاطفال الذين يعانون من الحرمان، يعتبرون «أيتاما» حتى لو كان والدهم على قيد الحياة!.