اجتمعت الحكومة وقررت رفع الأسعار التدريجي الذي تدّعي فيه أنّه لن يمسّ قطاعا كبيرا من الشعب، ونحن نقول لهم بقوة وجرأة: عليكم قبل أن ترفعوا الدعم عن السلع والغذاء والمحروقات والكهرباء، أن ترفعوا الدعم عن الفاسدين الصعاليك الذين سرقوا هذا الوطن ووضعوا خيراته في جيوبهم، نقول لهم إرفعوا الدعم عن وزير التخطيط الأسبق، الذي أصبح أيضا رئيسا للديوان الملكي تقديرا لجهوده! والذي خطط لدمار الأردن وخطط لإفقاره، والذي أصبح من أثرياء العالم العربي بعد أن سرق ما سرق من ميزانية الأردن، وحوّل الإردن إلى مزرعته الخاصة التي يبيع ويشتري فيها كيفما شاء، ولم تستطع أيّ جهة حتى هذه اللحظة أن تسأله سؤالا واحدا أو تنتقده انتقادا واحدا، وقد انطبق على هؤلاء اللصوص قول الشاعر الأردني حيدر محمود عندما قال في قصيدته المشهورة قبل أكثر من عشرين عاما، والتي أسماها بقصيدة الصعاليك:
يا شاعر الشعب صار الشعبُ مزرعة لحفنة من عكاريت وزعران
قد حكّموا فيك أفّاقين ما وقفوا يوما بإربد أو طافوا بشيحان
لا يخجلون وقد باعوا شواربنا من أن يبيعوا اللحى في أيّ دكان
فليس يردعهم شيء وليس لهم هَمٌ سوى جمع أموال وأعوان
فامعنوا فيه تشليحا وبهدلة ولم يقل أحد كاني ولا ماني
ومن نُعاتب والسكينُ من دمنا ومن نُحاسب والقاضي هو الجاني
نقول لهم أيضا إرفعوا الدعم عن جهاز المخابرات، الذي وفّر بطريقة أو بأخرى الغطاء لمن أرادوا الفساد وخططوا له، هذا الجهاز الذي اتُّهم ثلاثة من رؤسائه بقضايا فساد مخجلة، ما بين رشوة واستغلال نفوذ وتزوير إرادة شعب بأكمله، إرفعوا الدعم أيضا عن الذين باعوا مقدرات الوطن من الفوسفات والبوتاس والاتصالات وملفات أمانة عمان والكازينو وغيرها، أولئك الذين استفادوا من هذه البيوع ووضعوا العمولات في جيوبهم، فازدادوا ثراء إلى ثرائهم وازداد الفقير فقراً إلى فقره.
نُوجّه رسالة أيضا إلى أولئك الذين يظنون أنّ مسيرة الإصلاح ستتعطّل، وأنّ الحراك الشعبي سيتوقف، وإلى أولئك الذين يراهنون على ذلك، حتى قال أحد مدراء المخابرات أنّه سيرتدي (مدرقة) ويدور فيها في شوارع مأدبا إن لم يتوقف الحراك خلال شهر! نقول لهم بأنّ الحراك لن يتوقف، بل سيزداد ألَقاً ما داموا يتصرّفون بهذه الحماقة التي تزيدنا قوة، وما داموا يصبّون الزيت على النار، وما داموا لم يفهموا الرسالة بعدْ، كما لم يفهمها زين العابدين إلاّ في مراحل متأخرة، وإننا نراهن على وعي المجتمع بأكمله ووعي أبناء العشائر الذين أصبحوا يدركون الحقيقة، وأصبحوا يعرفون مواطن الخلل، وأصبحوا يعرفون أسماء السارقين والفاسدين ومن يقف خلفهم، ولم تعد تنطلي عليهم أوهام (الشيخة) و(العنترة) الجوفاء.
يجب أن نصل إلى مرحلة متقدمة من الوعي والإدراك لندرك حقيقة المشكلة، وأننا جميعا يجب أن نتحرك، وأن نثور على الظلم والاستحمار المقصود الذي يُمارَس ضدنا في كل يوم، أن نثور على سرقة مقدرات الوطن وأن نثور على الذين يوزّعون ثرواتنا على نخبهم المُقرفة، وأن ندرك جميعا أننا نستحق حياة أفضل من هذه التي نعيش، فلن نبقَ نرضى بأن يتقاضى هؤلاء (القلة) الآلاف المؤلفة ويتقاضى المعلم والعسكري والموظف رواتب زهيدة، لن نرضَ أن يتقاضى بعض المسؤولين راتبا شهريا يعادل راتب خمسين معلما أو عسكريا، لن نبقَ نرضى كما رضينا سابقا بأن توزّع الهبات والأعطيات والمكرمات هنا وهناك لشراء ولاء فاسد هنا أو شراء ذمة سارق هناك، لن نبقَ نرضى بأن يتقاضى أولئك رواتب شهرية وهم يجلسون في بيوتهم لأنهم من نسب قريب أو بعيد من هذا أو ذاك! وكل هذا يُدفَع من جيوبنا ومن ضرائبنا، ثم نُصفّق لهم ونقف لهم احتراماً وتقديراً.
في كل شهر تقوم دائرة مكافحة الفساد بفتح ما لا يقل عن خمسة ملفات فساد جديدة لقضايا فساد مختلفة من الذين تم تعيينهم والوثوق بهم على مرّ السنوات الطوال، وقد اتّضح لنا جميعا لماذا ندفع هذا الحجم الهائل من الضرائب، واتّضح لنا لماذا لم يعد الراتب الشهري يكفي لشيء، واتّضح لنا لماذا تدهور الاقتصاد الأردني، ولماذا ارتفعت المديونية، اتّضحت لنا كل الأسباب، وكلها متعلقة بطبيعة إدارة الدولة وطبيعة الاقتطاعات التي تم اقتطاعها في هذه الدولة، فهذه الوزارة لهذه العائلة، وهذه المؤسسة لتلك العائلة، وهذه السفارة لتلك النخبة، والكل ينهب وينهش في هذا الوطن، ونحن نتفرّج وبعضنا للأسف ما زال يهتف ويغنّي ويرقص بسخف وجهالة من أجل فلان أو علاّن، كل هذا يُحفّزنا الآن أكثر من ذي قبل إلى التحرك الدائم والخروج في مسيرات واعتصامات نقول فيها رأينا دون خوف من أحد، نوجّه فيها رسالة واضحة بأنّ الحراك لن يتوقّف، وأنّ رسالتنا لهم واضحة وجليّة، يا من سرقتم خيرات هذا الوطن ونهبتم مقدراته كفى عبثا وكفى مهزلة، فالعصرُ عصرُ الشعوب وعصرُ الثورات التي ستقضي على الظلم وتُعيد الحق إلى أصحابه، ونُوجّه في تلك الحراكات رسالة إلى من يتوهّمون بأنّهم يستطيعون الدوس (والدعس) على رقابنا مرة أخرى، بأنّكم خاسرون وفاشلون أيّها… الصعاليك.
[email]ghaith@azure-pools.com[/URL]