مرة ثانية عن فقراء العرب، ولكن هذه المرة من باب تقاتلهم كما يحصل في لبنان، ومن أبواب أخرى ستأتي تباعا. لم يكتشف الفقراء بعد أن عصبيتهم السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الطائفية، سوف تشغلهم عن فقرهم المزمن الذي لاحل له إلا باحالة التاريخ على التاريخ، وأن انشغالهم بتلك العصبية سوف يزيد من فقرهم، ولو كان الفقر رجلا لقتلته كما يقول علي بن ابي طالب، ولهذا السبب فهم يقتلون رجلا فقيرا مثلهم ليس عدوهم سوى أنه خصم في السياسة، او مختلف عن طائفته ومذهبه ودينه.
من حق فقراء العرب أن يؤسسوا لهم قضية، ويجب ان تقوم على العدالة الاجتماعية دون تدخل مع أية فكرة أخرى. مأساوية الفقراء انهم لايعيرون العدالة اي اهتمام، كونهم ناصبوا العداء المر ضد من هم من جلدتهم للأسباب الواردة أعلاه. سوف أظل أتعجب من حال فقراء العرب لماذا لايخرجون بالسيف ضد من أفقرهم فيما يحملونه ضد فقير مثلهم، سوى ان ثمة من اخترع لهم عدوا كي يشغلهم بأمور مختلفة عن أمورهم الحقيقية.
ومن دواعي اهتمام الفقراء العرب بأمورهم السيادية فان عليهم، وخصوصا في مصر العربية، ان يكونوا الى جانب من سيكون رئيسا عليهم، مثلما هو الحال مع المرشح للرئاسة حمدين صباحي الذي هو ابن الفقراء والمعدمين وهو لسان حالهم بقدر ماهو صاحب خبرة وتجربة سياسية واجتماعية. لقد زرته يوما في بيته، تناولت الطعام الى مائدته، وتفاجأت بالمكان الذي يسكنه، بل تأثرت يومها لأوضاعه المالية وهو الذي عمل مراسلا لصحف ومجلات، واشتغل في أعمال تليفزيونية درت عليه القليل من المال، ثم هو دخل السجن مرات لقولة حق قالها في وجه حسني مبارك.
ثم هاهي سوريا، فقراء يتقاتلون، ومثلها اليمن، وهاهم جيوش الباحثين عن العمل في العالم العربي يختارون الحل الأسهل بالقتال ضد من هم مثلهم، دون أن يعيروا أمرهم الى الاسباب التي أوصلتهم الى البطالة.. أجيال من الشباب قاعدتها الأساسية الحراك المستمر، وهو دمها الحامي الذي يرفض الجلوس والقعود، يذهب جزء منها إلى المدارس والجامعات، لكن المزيد منهم الى سوق الباحثين عن العمل. ليتهم فتشوا في خزائن الأفكار عن أسباب بطالتهم بدل ان يحملوا السلاح ضد فقير مثلهم سواء كان في الجيش الفقير، او في الشارع المضاد لهم.
لعبة نسيان كبيرة يلعبها أهل المخططات من أجل مكاسب سياسية وخلافه، ولكي يظل هذا المواطن وذاك أسير نهج يلغي فيه بحثه عن العدالة الاجتماعية التي نقر بوجودها ان هو حاول التفتيش عنها.