لا تحتاج هذه المرحلة من عمر الأمة إلى رؤساء جمهوريات يتحولون الى موظفين عملهم التوقيع على أوراق والاكثار من الاجتماعات واصدار بيانات لا طعم لها سوى أن موقعها حاضر في البلد، بل الى زعماء يغيرون المفاهيم والأداء الوطني، تكون لهم القدس مثل القاهرة ودمشق وعمان والجزائر وغيره .. مقاتلون من أجل وطن، لايملون الحضور في كل صغيرة وكبيرة، يعملون على أن يكون هناك استقلال وطني.. الحاجة ماسة الى زعيم جامع قبل ان يكون له انتماء وقبل ان تتلطخ سيرته بتجاذبات السياسة وأفانينها، بل قبل أن تتحكم الفكرة النهائية التي تعطل مداركه واحاطته بالأشمل.
أمامنا الآن رؤساء جمهوريات أو مشروعهم، الكل يتقاتل على هذا المنصب الجليل، والكل يريد أن يلغي الآخر من أجل مكانه الخاص في سلم الوطن. من المؤسف أن قلة من الزعماء اليوم يحكمون، فيما كانوا في الماضي من أسس الحياة السياسية في العالم. من ديجول الى تيتو الى ستالين الى هوشي منه الى تشرتشل الى ماوتسي تونج ففيدل كاسترو وجمال عبد الناصر وحافظ الاسد واسماء اخرى.. العالم محاصر برؤساء تسلموا السلطة، ثم يمدد لهم أحيانا، تسبقهم ميولهم، ثم لا يكتشف لهم جديد على صعيد الداخل او الخارج سوى انهم أمضوا سنوات حكمهم على الطريقة الهوليوودية الاميركية مغامرين ومحتلين ومعنفين لهذا النظام او ذاك، بل مقاصصين له كما تظهر أسرار السنوات الخوالي.
الحاجة إلى الزعيم مرتسمة على شفاه الناس، هم باحثون عنها، سعيهم أن يجدوها كي تكتمل فصول العلاقة بينهم وبينه.. اذا فتشنا في عقول من قاموا بالحراك العربي نجد بحثهم عن زعيم ما يترجم حالهم بعد كل ماقاموا به وما أعطوه، وسيكون له بالتالي أن وصل كل عناصر القوة الممنوحة له من قبل شعبه. التزاحم على رئاسة البلاد مشروع مفتوح، لكنه ليس النهاية لتحقيق أحلام المجتمع البائس الذي مازال باحثا عن ترجمة لأحلامه. الجميع خائف من أن تقطف ثمار حراكه وأن يذهب هباء ما قدم من دماء وضحايا ونسيان للمستقبل بترك الجامعات والمدارس واحيانا فرص العمل. الصوت الوطني عال واصحابه لايريدون انخضاعه. لن يهدأ البال الا اذا ترجمت الاقوال، ولا يترجمها في هذه الظروف الا الزعيم والقائد والثوري الحقيقي الذي لم تلوثه السنون ولا الايام، لأن التجارب في كثير من الاحيان تصبغ صاحبها بما يعلق به طوال العمر من أفعال.
من السهل ايجاد رئيس، ومن الصعب ترتيب زعيم وقائد. ليس إيمانا بالفردية ولكن في ظل ظروف كالتي نم بها لابد من مزيج بين الديكتاتورية والديمقراطية مضاف اليها معنى للحرية وليس الفوضى.