من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم عبدالله بن عثمان العمر سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
وصل كتابك الذي تسأَل فيه عن سبعة أَسئلة.
الأَول: ما حكم حلق اللحية؟
والجواب: لا يجوز أَن تزال بأَي وجه كان، لقوله تعالى: (*)(81) وقوله تعالى: (*)(82) وقوله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيح وغيره ((أَحْفُوْا الشَّوَاربَ وَأَعْفُوْا الُّلحَى)) وما جاء في هذا المعنى، والأَمر يقتضي الوجوب. وهذا أَمر درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن بعدهم إِلى القرن السابع الهجري، ثم بدأَ من قلت رغبته في الدين يحلقها نعوذ بالله من كل ما يغضبه.
الثاني: ما حكم التقصير منها؟
والجواب: لا يجوز، لما سبق من الأَدلة، وما ثبت في صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((خَالِفُوْا الْمَجُوْسَ لأَنَّهُمْ يُقَصِّرُوْنَ لُحَاهُمْ وَيُطَوِّلُوْنَ الشَّوَاربَ)) (83) وهذا نص في الموضوع.
وحديث الترمذي أَنه صلى الله عليه وسلم ((كَانَ يَأْخُذُ مِن لِحْيَتِهِ مِن طُوْلِهَا وَعَرْضِهَا)) غير صحيح.
وفعل ابن عمر أَنه كان إِذا حج أَو اعتمر قبض لحيته فما فضل أَخذه لا يحتج به لأَنه روى النهي عن التقصير؛ وإِذا تعارض رأْي الصحابي وروايته فروايته مقدمة على رأْيه. هذا هو الصحيح من قولي العلماء في تعارض رأْي الصحابي وروايته.
الثالث: هل العارضان من اللحية؟
والجواب: نعم. العارضان من اللحية، يدل على ذلك ما رواه أَحمد في المسند عن يزيد الفارسي في رؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء في آخرها ((قَدْ مَلأَت لِحْيَتُهُ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، قَدْ مَلأَت نَحْرَهُ فقال ابن عباس رضي الله عنهما لو رأَيته في اليقظة ما استطعت أَن تنعته فوق هذا)). انتهى.
قال المناوي وغيره قوله ((مَا بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ)) أَي قد ملأَت ما بين الأذن وقوله ((قَدْ مَلأَت نَحْرَهُ)) أَي كانت مسترسلة إِلى صدره كثة. وروى البخاري في صحيحه في (باب رفع البصر إِلى الإِمام في الصلاة) من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: ((قُلنَا لِخَبَّاب: أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقرَأُ فِيْ الظُّهر وَالْعَصْر. قَالَ: نَعَمْ. فَقُلنَا: بمَ كُنتُمْ تَعْرفُوْنَ ذَلِكَ. قَالَ: ((باضطِرَاب لِحْيَتِهِ)) وجه الدلالة أَن المأْموم إِذا رفع بصره إِلى الإِمام في الصلاة فإِنما يرى منه عارضيه فقط، وأَما ما على الذقن فمستور عنه بالعنق، وما تركهما صلى الله عليه وسلم إِلا لأَنهما منها وقد جاء في لسان العرب وغيره أَنهما داخلان في مسماها.
الرابع: هل حكم حلق العارضين والتقصير منهما كحكم حلق اللحية والتقصير منها؟
والجواب: نعم. لما سبق من الأَدلة.
والخامس: هل حلقها كبيرة أَو صغيرة؟
والجواب: من حلق لحيته بعد العلم بالحكم مصرًا على ذلك ففعله كبيرة، فإِن الكبيرة هي ما توعد عليه بغضب أَو لعنة أَو رتب عليه عقاب في الدنيا أَو عذاب في الآخرة وهو دون الشرك والكفر، وقد سبقت الأَدلة الدالة على الأَمر بإِعفائها وهو يقتضي الوجوب، والأَمر بالشيء نهي عن ضده الذي لو فعل لتخلف متعلق مقتضي الأَمر. والنهي يقتضي التحريم. وقد حكى ابن حزم الإِجماع على أَن إِعفاء اللحية وقص الشارب فرض، وقال ابن عبدالبر وشيخ الإِسلام أَبو العباس ابن تيمية وغيرهما: إِن حلقها حرام، وقد ورد التشديد في النهي عن حلقها، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((مَن مَثَّلَ بالشَّعَر فَلَيْسَ لَهُ عِندَ اللهِ مِن خَلاَق)) (84). قال الهروي والزمخشري وابن الأثير وابن منظور:
((مثل بالشعر)) صيره مثلة بأَن حلقه من الخدود ونتفه وغيَّره بالسواد، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((مَن تَشَبَّهَ بقَوْم فَهُوَ مِنهُمْ)) (85). وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ مِنَّا مَن تَشَبَّهَ بغَيْرنَا)) (86). وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَعَنَ اللهُ الْمُتَشَبِّهيْنَ مِن الرِّجَال بالنِّسَاء وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِن النِّسَاءِ بالرِّجَال)) (87).
وحلق اللحية(88) فيه تشبه بالمجوس والنصارى واليهود، وفيه تشبه بالنساء، وتغيير لخلق الله، وقد نص الإِمام أَحمد في رواية المروذي على كراهة أَخذ الشعر بالمنقاش من الوجه، وقال: ((لَعَنَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَنَمِّصَاتِ)) (89). والمراد بالكراهة عند أَحمد كراهة التحريم، والدليل على ذلك احتجاجه بحديث اللعن لمن فعل ذلك، واللعن لا يكون إِلا على كبائر الإِثم. ويلحق بالنتف إِزالة الشعر بحلق أَو قص ونحوهما.
السادس: هل رتب الشارع عقوبة دنيوية على من حلق لحيته أَو أَطال شاربه؟
والجواب: حلق اللحية وإِطالة الشارب(90) المعاصي التي لم يقدر الشارع لها جزاء كما حدد في الزنا والسرقة وغير ذلك، وما كان غير محدد فيرجع فيه إِلى اجتهاد الحاكم فهو الذي يتولى تقديره حسب ما تقتضيه المصلحة.
السابع: هل يهجر من حلق لحيته وأَطال شاربه؟
والجواب: يهجر بعد العلم بالحكم ونصحه حتى يقلع من الذنب. إِلا إِذا كان يترتب على الهجر مفسدة أَكثر من المصلحة التي تنشأ عن الهجر فلا يهجره، لأَن هذه المسأَلة من المسائل التي أَطلقها الشارع، وما كان كذلك فإِن حكمه يختلف باختلاف الأَزمنة والأَمكنة والأَحوال والأَشخاص، فينظر في المصالح والمفاسد، وما ترجح جانبه فعليه الأَخذ به. وعليك بمطالعة قسمي التوحيد والجهاد من ((الدرر السنية في الأَجوبة النجدية)) فإِن أَئمة الدعوة رحمة الله عليهم بينوا الكلام على الهجر بيانًا شافيًا. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1119-88 في 14-5-88 هـ)
(81) سورة التغابن 12 .السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
وصل كتابك الذي تسأَل فيه عن سبعة أَسئلة.
الأَول: ما حكم حلق اللحية؟
والجواب: لا يجوز أَن تزال بأَي وجه كان، لقوله تعالى: (*)(81) وقوله تعالى: (*)(82) وقوله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيح وغيره ((أَحْفُوْا الشَّوَاربَ وَأَعْفُوْا الُّلحَى)) وما جاء في هذا المعنى، والأَمر يقتضي الوجوب. وهذا أَمر درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن بعدهم إِلى القرن السابع الهجري، ثم بدأَ من قلت رغبته في الدين يحلقها نعوذ بالله من كل ما يغضبه.
الثاني: ما حكم التقصير منها؟
والجواب: لا يجوز، لما سبق من الأَدلة، وما ثبت في صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((خَالِفُوْا الْمَجُوْسَ لأَنَّهُمْ يُقَصِّرُوْنَ لُحَاهُمْ وَيُطَوِّلُوْنَ الشَّوَاربَ)) (83) وهذا نص في الموضوع.
وحديث الترمذي أَنه صلى الله عليه وسلم ((كَانَ يَأْخُذُ مِن لِحْيَتِهِ مِن طُوْلِهَا وَعَرْضِهَا)) غير صحيح.
وفعل ابن عمر أَنه كان إِذا حج أَو اعتمر قبض لحيته فما فضل أَخذه لا يحتج به لأَنه روى النهي عن التقصير؛ وإِذا تعارض رأْي الصحابي وروايته فروايته مقدمة على رأْيه. هذا هو الصحيح من قولي العلماء في تعارض رأْي الصحابي وروايته.
الثالث: هل العارضان من اللحية؟
والجواب: نعم. العارضان من اللحية، يدل على ذلك ما رواه أَحمد في المسند عن يزيد الفارسي في رؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء في آخرها ((قَدْ مَلأَت لِحْيَتُهُ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، قَدْ مَلأَت نَحْرَهُ فقال ابن عباس رضي الله عنهما لو رأَيته في اليقظة ما استطعت أَن تنعته فوق هذا)). انتهى.
قال المناوي وغيره قوله ((مَا بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ)) أَي قد ملأَت ما بين الأذن وقوله ((قَدْ مَلأَت نَحْرَهُ)) أَي كانت مسترسلة إِلى صدره كثة. وروى البخاري في صحيحه في (باب رفع البصر إِلى الإِمام في الصلاة) من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: ((قُلنَا لِخَبَّاب: أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقرَأُ فِيْ الظُّهر وَالْعَصْر. قَالَ: نَعَمْ. فَقُلنَا: بمَ كُنتُمْ تَعْرفُوْنَ ذَلِكَ. قَالَ: ((باضطِرَاب لِحْيَتِهِ)) وجه الدلالة أَن المأْموم إِذا رفع بصره إِلى الإِمام في الصلاة فإِنما يرى منه عارضيه فقط، وأَما ما على الذقن فمستور عنه بالعنق، وما تركهما صلى الله عليه وسلم إِلا لأَنهما منها وقد جاء في لسان العرب وغيره أَنهما داخلان في مسماها.
الرابع: هل حكم حلق العارضين والتقصير منهما كحكم حلق اللحية والتقصير منها؟
والجواب: نعم. لما سبق من الأَدلة.
والخامس: هل حلقها كبيرة أَو صغيرة؟
والجواب: من حلق لحيته بعد العلم بالحكم مصرًا على ذلك ففعله كبيرة، فإِن الكبيرة هي ما توعد عليه بغضب أَو لعنة أَو رتب عليه عقاب في الدنيا أَو عذاب في الآخرة وهو دون الشرك والكفر، وقد سبقت الأَدلة الدالة على الأَمر بإِعفائها وهو يقتضي الوجوب، والأَمر بالشيء نهي عن ضده الذي لو فعل لتخلف متعلق مقتضي الأَمر. والنهي يقتضي التحريم. وقد حكى ابن حزم الإِجماع على أَن إِعفاء اللحية وقص الشارب فرض، وقال ابن عبدالبر وشيخ الإِسلام أَبو العباس ابن تيمية وغيرهما: إِن حلقها حرام، وقد ورد التشديد في النهي عن حلقها، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((مَن مَثَّلَ بالشَّعَر فَلَيْسَ لَهُ عِندَ اللهِ مِن خَلاَق)) (84). قال الهروي والزمخشري وابن الأثير وابن منظور:
((مثل بالشعر)) صيره مثلة بأَن حلقه من الخدود ونتفه وغيَّره بالسواد، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((مَن تَشَبَّهَ بقَوْم فَهُوَ مِنهُمْ)) (85). وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ مِنَّا مَن تَشَبَّهَ بغَيْرنَا)) (86). وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَعَنَ اللهُ الْمُتَشَبِّهيْنَ مِن الرِّجَال بالنِّسَاء وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِن النِّسَاءِ بالرِّجَال)) (87).
وحلق اللحية(88) فيه تشبه بالمجوس والنصارى واليهود، وفيه تشبه بالنساء، وتغيير لخلق الله، وقد نص الإِمام أَحمد في رواية المروذي على كراهة أَخذ الشعر بالمنقاش من الوجه، وقال: ((لَعَنَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَنَمِّصَاتِ)) (89). والمراد بالكراهة عند أَحمد كراهة التحريم، والدليل على ذلك احتجاجه بحديث اللعن لمن فعل ذلك، واللعن لا يكون إِلا على كبائر الإِثم. ويلحق بالنتف إِزالة الشعر بحلق أَو قص ونحوهما.
السادس: هل رتب الشارع عقوبة دنيوية على من حلق لحيته أَو أَطال شاربه؟
والجواب: حلق اللحية وإِطالة الشارب(90) المعاصي التي لم يقدر الشارع لها جزاء كما حدد في الزنا والسرقة وغير ذلك، وما كان غير محدد فيرجع فيه إِلى اجتهاد الحاكم فهو الذي يتولى تقديره حسب ما تقتضيه المصلحة.
السابع: هل يهجر من حلق لحيته وأَطال شاربه؟
والجواب: يهجر بعد العلم بالحكم ونصحه حتى يقلع من الذنب. إِلا إِذا كان يترتب على الهجر مفسدة أَكثر من المصلحة التي تنشأ عن الهجر فلا يهجره، لأَن هذه المسأَلة من المسائل التي أَطلقها الشارع، وما كان كذلك فإِن حكمه يختلف باختلاف الأَزمنة والأَمكنة والأَحوال والأَشخاص، فينظر في المصالح والمفاسد، وما ترجح جانبه فعليه الأَخذ به. وعليك بمطالعة قسمي التوحيد والجهاد من ((الدرر السنية في الأَجوبة النجدية)) فإِن أَئمة الدعوة رحمة الله عليهم بينوا الكلام على الهجر بيانًا شافيًا. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1119-88 في 14-5-88 هـ)
(82) سورة النور 63 .
(83) أخرجه مسلم.
(84) أخرجه الطبري.
(85) صححه ابن حبان والحافظ العراقي. وتقدم.
(86) أخرجه أبو داود.
(87) أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه.
(88) في المسودة زيادة: واعفاء الشارب.
(89) متفق عليه وأخرجه الاربعة والامام أحمد.
(90) من .