يستوطن الغضب نفوس الناس،لان الغلاء يحرق استقرارهم،فمن فواتير الكهرباء الصاعقة،وصولا الى الاجراءات المقبلة على الطريق،وهي اشد مضاضة على النفس،وهكذا تصبح حياة الناس مستحيلة الى درجة كبيرة.
كل التفسيرات الحكومية،تاريخيا،تقول للناس ان وضع الموازنة صعب،وان هذا الاجراء او ذاك لن يمس الا فئة محدودة،وهذا هو خطاب الحكومات التقليدي منذ عام تسعة وثمانين،غير اننا نرى العكس على ارض الواقع.
السبب في ذلك بسيط للغاية،فرفع اسعار الكهرباء،يؤدي الى قيام قطاعات كثيرة برفع اسعارها وخدماتها،وحتى لو كان استهلاك الفرد من الكهرباء قليلا،وبالتالي لاتصله زيادة الفاتورة،فأنه سيساهم في دفع الفروقات الجديدة التي سيفرضها التجار والمستوردون واصحاب المحلات والمؤسسات.
الدعوات لمقاطعة عملية دفع الفواتير والتي تتم الدعوة اليها على نطاق واسع لن تؤدي الى حل المشكلة،لاننا بعد قليل سوف نترحم على رفع قيمة فاتورة الكهرباء،مقابل استغلال هذا الرفع من قطاعات كثيرة،وهكذا سيأتي الثمن مرتين،الاول عبر الفاتورة،والثاني عبر ارتفاع اسعار سلع وخدمات كثيرة،من فاتورة المطعم،مرورا برسوم المدرسة،ونهاية بثمن الدواء.
امامنا اربعة اسابيع حساسة،فالحكومة وعلى لسان مسؤوليها الماليين تقول انه لابد من اتخاذ اجراءات صعبة،وانه بدون هذه الاجراءات سيجد الاردن نفسه امام يونان ثانية،وهانحن امام خيارين اما انهيار الاقتصاد ،واما قبول الاجراءات الحكومية.
لايتفهم الناس هذا الكلام،لانهم منذ عشرين عاما وحياتهم تتعرض الى مصاعب بالغة،وسط اعتقاد يقيني ان الفساد وسوء ادارة الموارد،ادى الى هذه الحالة،بحيث بات مطلوبا من المواطن دفع ثمن هذه السياسات التي هو ضحيتها بالاساس،فلماذا يدفع الاردني الثمن منفردا ووحيدا؟
ستأتينا الحكومة بأجراءات اخرى اعلنت عنها،من باب تحرير اسعار المشتقات النفطية،كاملا،ورفع الدعم عن السلع،هذا في الوقت الذي لايصدق فيه الاردني وجود دعم اساسا،وهنا اساس المشكلة،لان الثقة ضعيفة بين المواطن والمؤسسة العامة،وتجعل المواطن يميل الى رفض كل التبريرات التي تسوقها الحكومات،لتمرير قراراتها.
قصة المليارات الثلاثة من اليورو التي تعهد بها الاوروبيون لعبت دورا اضافيا في التشويش على المزاج العام،فأغلب الناس يفهمون ان هذا المبلغ سيتم دفعه نقدا للخزينة،ويسألون لحظتها عن سبب الاتجاه لرفع الاسعار،مادامت المليارات قادمة،ولااحد يشرح للناس قصة المليارات الثلاثة،ومقدار القروض في الرقم المعلن،ومقدار الاعتمادات،وماهي المبالغ النقدية التي ستصل دون ان تكون ديونا في حقيقة الحال؟!.
فوق ذلك دخلت قصة الخمسة مليارات دولار الخليجية على ذات الخط،لان
اغلب الناس ايضا يعتبرون ان هذا المبلغ سيتم دفعه مرة واحدة للخزينة
وهكذا لايستغرب المراقب اذ يسمع مواطنا يقول ان الدولة اعلنت عن ثمانية مليارات مابين دولار ويورو قادمة على الطريق،فلماذا يراد شوي الناس بالاسعار وبتحرير الدعم،الى اخر هذه الاجراءات؟!.
لابد ان يتم شرح قصة المليارات الثمانية للناس بشكل واضح،حتى لاتبقى القصة تختلط فيها التساؤلات بالشكوك والظنون،ولابد من ان تقف الحكومة مطولا عند احوال الناس،لان التعامل معهم بمنطق الارقام والاحصائيات،دون قلب او تقدير لظروف الناس،امر يبعث على الاستغراب..
التلويح بيونان ثانية،امر منفر،لان الناس ببساطة يقولون انهم ليسوا السبب لحظتها،وهم مجرد ضحايا لسياسات اقتصادية ثبت فشلها،وانها اوصلت الناس الى اصعب الظروف،من فاتورة الكهرباء،وصولا الى رسوم الجامعة،وتهاوي كل المنظومة الاجتماعية تحت وطأة الحاجة والفقر والبطالة.
اخطر مانعيشه هو تلك التغيرات الاجتماعية التي تعصف بكل البنى في البلد،على صعيد القيم والمنظومة الاخلاقية،لان الفقر اساس البلاءات،ولان الحاجة اساس الفساد الاجتماعي او الاخلاقي،وحكوماتنا تغفل هذا الجانب،ولايهمها سوى انعاش الاقتصاد المريض،لا رؤية مايسببه الفقر من مفاسد وتغييرات عامة.