هذه هي الزيارة الرابعة لشخصية اردنية رفيعة المستوى الى القدس، خلال اسابيع، والزيارات لافتة للانتباه بسبب توقيتها ومغزاها، وما تقوله للجميع.
بعد رئيس مجلس النواب الاردني عبدالكريم الدغمي، والامير هاشم بن الحسين، ووزير الداخلية محمد الرعود، زار القدس البارحة، الامير غازي بن محمد وبرفقته الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية، حيث أمَّ المصلين فى مسجد البراق بالحرم القدسي، عصر الاربعاء.
شارك في الصلاة ايضاً، محمد حسن مفتي القدس والديار الفلسطينية وخطيب المسجد الأقصى والشيخ عبدالعظيم سلهب رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية بالقدس، والدكتور عزام الخطيب رئيس أوقاف المسجد الأقصى، وعلينا ان نلاحظ المزج بين «الديني والسياسي» في هذه الزيارات الاربع، واستحالة فصل جانب عن اخر.
مفتي مصر وهو شخصية لها وزنها الديني اكد أن هذه الزيارة تمت تحت الإشراف الكامل للاردن وبدون الحصول على أي تأشيرات أو أختام دخول اسرائيلية، باعتبار أن الاردن، هو المشرف على مقدسات المدينة، والمفتي، ومن قبله من رجال دين، قفزوا كلياً عن قصة التطبيع، وتحريم الزيارات التي تبناها «القرضاوي» في فتوى سابقة.
في مقالة سابقة، قبل يومين، تحت عنوان «سر الانعاش المفاجئ لعلاقة الاردن بالقدس»، اشرت الى ان هذه الزيارات لافتة للانتباه جداً، لانها من جهة، لا تقف ابدا عند قصة التطبيع او عدم التطبيع، وتأتي بشكل غزير في توقيت واحد، ولا يمكن تبسيط دوافعها، تحت عنوان التذكر المفاجئ للاقصى.
تكتسب هذه الزيارات دلالات سياسية عميقة، حتى لو بدت دينية او بروتوكولية، خصوصا، ان الاردن خلع عباءة التحسس من سوء التفسيرات والتحسسات، وبدأ بانعاش علاقته السياسية بالقدس ومقدساتها، عبر بوابة دينية، ومن الطبيعي ان تمتد تأثيرات الانعاش الى دلالات لها علاقة بالناس، وان لا تقف عند حدود الصلاة والسياحة.
لا احد يعرف ماذا يجري في الغرف المغلقة، غير ان الملاحظات ازاء هذا الملف كثيرة، ابرزها قبول الجانب الاسرائيلي لهذه الزيارات، حيث بامكانه منعها لو اراد، لانها على ما هو مفترض مثيرة لغضبه، باعتبارها تؤكد عروبة المكان، ومظلته الاسلامية، ثم تواصل الزيارات، بحيث لم يعد ممكنا اعتبارها، امرا عاديا، بعد انقطاع استمر لعقود، وجرأة الاردن في بلورة هكذا زيارات لا تأتي من فراغ في كل الاحوال.
في الوقت ذاته تتفرج السلطة الوطنية الفلسطينية على المشهد بحياد كامل، دون اي تحسس سري او معلن، وعلى الرغم من ان علاقتها بالاردن، ممتازة، الا انها تلمح الى مقربة منحها احياء سياسيا لعلاقة قديمة بين الاردن والقدس، والاحياء السياسي هو اللافت للانتباه، ولو جاء عبر بوابة الدين وزيارات الاقصى، لان السؤال يقول لماذا في هذا التوقيت بالذات، وما سر انهمار الزيارات؟!.
لا يمكن قراءة هذه الزيارات بمعزل عن كل ملف القضية الفلسطينية والقدس والضفة الغربية، ولا يمكن اعتبار اي قراءات لمستقبل علاقة الاردن بالقضية الفلسطينية، تجنح الى المبالغة، خصوصا، اننا نتحدث عن نمط جديد لم يكن مألوفا، ولا يمكن فك اسراره النهائية، عبر اطلاق توقعات في الهواء دون الاستناد، من جهة اخرى الى المعلومات.
اربع زيارات لاربع شخصيات اردنية ذات مكانة سياسية، وبنكهة دينية، وبشعار يقول: زيارة السجين لا تعني التطبيع مع السجان، وهو شعار رائق وجميل، لكنه بالتأكيد لا يلخص كل القصة، ويخفي خلفه، وضعا معقدا في المنطقة، واتجاها جديدا في السياسة الاردنية، واذا كان هذا التتبع صحيحا، فهذا يعني اننا سنشهد في الفترة المقبلة، اشارات اضافية على ذات الصعيد.