بينما الألم يعتصر قلب مصر علي الحرائق المتوالية التي تضرب المدن المصرية الكبري والتي كادت تدمر مدينة السويس عاصمة المقاومة وشرارة الثورة,
ومن قبلها حرائق في القاهرة ودمياط ومن بعدها الحريق الهائل في مدينة طنطا قلب وعاصمة دلتا النيل العظيمة, وبينما الغضب الشعبي والنخبوي يتصاعد والتساؤلات المشروعة عمن يحرق مصر عمدا أو إهمالا تتصدر المشهد السياسي.
جاءت بضع كلمات عن إلغاء اتفاقية تصدير الغاز للكيان الصهيوني لتشد الانتباه بعيدا عن كارثة الحرائق المتتابعة وتشعل الفرح لدي شعب مصر الذي يتم نهب موارده الطبيعية من الغاز وتصديرها لذلك الكيان المعادي لمصر, والذي نشأ بالاغتصاب ويستمر بالعدوان, بأقل من خمس سعر الغاز في الأسواق الدولية في صفقة مروعة من الفساد الذي يصل إلي حد الخيانة العظمي التي اقترفها نظام الدكتاتور المخلوع مبارك بحق مصر وشعبها.
وقد تم الإلغاء لأن شركة غاز شرق المتوسط التي أسسها الفاسد الهارب حسين سالم مع شركائه الصهاينة والتي آلت غالبيتها الساحقة لهم بعد ذلك, لم تف بالتزاماتها المالية تجاه الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية, وكان آخر موعد لسداد تلك الالتزامات هو18 أبريل الحالي مما أعطي الحكومة المصرية الحق في فسخ التعاقد وفقا لبنود التعاقد نفسها. ولأن الحكومة لا تترك لحظات الفرح الشعبي تمتد طويلا, فإنها أعلنت أنها ليس لديها أي مانع من عمل اتفاق وعقد جديد مع إسرائيل لتصدير الغاز, ولكن بأسعار وشروط جديدة.
وهذا الاستعداد من جانب الحكومة لترضية الطرف الصهيوني ضد إرادة شعب مصر, هو أمر غير مقبول, خاصة وأن تصدير الغاز الطبيعي المصري هو جريمة اقتصادية وخيانة لمصالح الشعب وللأجيال القادمة, لأن مصر التي بدأت فيها الصناعة الآلية بالمعني الحديث منذ ما يقرب من قرنين من الزمان, ينبغي عليها أن تستخدم مواردها من الغاز الطبيعي والتي تبلغ نحو2.2 تريليون متر مكعب أي ما يكافئ14 مليار برميل من النفط, في إنشاء صناعات تعتمد علي تلك الموارد مما يولد قيمة مضافة أعلي ويوفر فرصا جديدة للعمل لتشغيل العاطلين, ويؤدي إلي بناء صروح صناعية يستفيد منها الجيل الحالي, ويتركها كأصول إنتاجية للأجيال القادمة, فضلا عن مد الغاز الطبيعي لكل المنازل في مصر, لتوفير النقد الأجنبي الذي نستهلكه في استيراد البوتاجاز وإنهاء الأزمات المتعاقبة في إمداد المواطنين به. كما أن عمليات التصدير الراهنة سوف تؤدي لاستنزاف الاحتياطيات سريعا, ليضطر الجيل القادم لاستيراد احتياجات مصر منه بأسعار بالغة الارتفاع مستقبلا.
ولأن الشئ بالشئ يذكر, فإنني في عام2005 نشرت لي الطبعة الأولي من كتاب الانهيار الاقتصادي في عصر مبارك… حقائق الفساد والبطالة والغلاء والركود والديون, وبه فصل بعنوان الكويز وتصدير الغاز لإسرائيل.. كارثتا الختام. وسجلت فيه اعتراضي المبدئي علي تصدير الغاز للكيان الصهيوني المعادي وبالرغم من ذلك ناقشت الصفقة في الكتاب المذكور وفي عدد من المقالات في هذه الصفحة من جريدة الأهرام, من منطلق اقتصادي, وبالتحديد ما تضمنته من تقديم الغاز الطبيعي المصري لهذا الكيان المعادي بسعر ثابت لمدة15 سنة قابلة للمد خمسة أعوام أخري, وهو سعر كان يبلغ1.6 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية, أي نحو ربع السعر في الأسواق الدولية وقت إبرام الصفقة, وإذا أضفنا نفقات النقل والتأمين فإنه يرتفع إلي نحو2.65 دولار توازي نحو43% من السعر العالمي.
ولو أردنا أن نحسب قيمة الغاز الذي كان الكيان الصهيوني ينهبه من مصر, فإن العقدين اللذين تم توقيعهما عامي2008,2005, يتم بموجبهما تصدير نحو2450 مليون متر مكعب من الغاز سنويا, وهي كمية توازي نحو16 مليون برميل من النفط, وتعادل نحو94 مليونا( مليون وحدة حرارية بريطانية). وهذه الكمية من الغاز قيمتها نحو282 مليون دولار عند سعر3 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية الذي كانت الحكومة قد قالت أنها سترفع السعر إليه عام2008, ورغم أن تلك الحكومة احترفت الكذب في كل شئ, فإنني سآخذ بأرقامها, ولنقارنها بالعائد الممكن والبالغ1128 مليون دولار لو باعت مصر الغاز للكيان الصهيوني بسعر12 دولارا للمليون وحدة حرارية بريطانية( الأسعار العالمية تتراوح بين16,12 دولارا للمليون وحدة حرارية بريطانية للغاز المنقول قاريا), والفارق بين العائد في الحالتين هو846 مليون دولار, أي أكثر من5 مليارات جنيه سنويا, يتم نهبها من مصر لمصلحة الكيان الصهيوني المعادي لها والذي بلغ دخل الفرد فيه أكثر من27 ألف دولار عام2010, تعادل نحو12 ضعف دخل الفرد في مصر في العام نفسه!!
لقد سجلت الولايات المتحدة سابقة في العلاقات الدولية, عندما قامت بعد احتلالها الإجرامي للعراق عام2003 بإلغاء العقود التي أبرمها الرئيس العراقي صدام حسين مع الشركات النفطية, تحت دعوي أن نظامه لم يكن يمثل الشعب العراقي, وقامت من خلال الحكومة التابعة لها التي وضعتها في سدة الحكم في بغداد آنذاك بإبرام عقود نفطية جديدة غالبيتها مع الشركات الأمريكية والبريطانية. ومصر أولي من أي دولة باستخدام هذه القاعدة, لأن نظام مبارك الفاسد والمزور لإرادة الأمة لم يكن يمثل شعب مصر, وبالتالي من حق مصر أن تراجع كل العقود التي أبرمها وعلي رأسها عقود تصدير الغاز لكل من أسبانيا وتركيا والأردن, لتعديلها بصورة تجعل الأسعار فيها مطابقة للأسعار العالمية العالية والمتحركة, لإيقاف مهزلة نهب موارد الشعب المصري لمصلحة بلدان أغني منه كثيرا. أما تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني, والذي توقف بعد إخلال الشركة المشترية له لالتزاماتها القانونية, فإنه ينبغي ألا يعاد الحديث عنه مرة أخري, وينبغي لمجلس الشعب المنتخب أن يردع الحكومة ويوقف مهزلة استعدادها لإعادة تصدير الغاز لهذا الكيان مع تعديل الشروط, لأن الأمر مرفوض مبدئيا, وينبغي لمصر أن تنتبه لنزاع قادم يتعلق بمحاولة الكيان الصهيوني السطو علي موارد الغاز المصرية الموجودة في المياه المصرية قرب مناطق التماس مع الحدود البحرية الفلسطينية, وهو أمر ينبغي لمصر أن تستعد له بشكل قوي وحاسم من خلال تركيز عمليات التنقيب والاستكشاف والاستخراج من مناطق تخوم الحدود البحرية لمنع أيا كان من الاقتراب من تلك الموارد.