يتهم علماء اجتماع قطار الزواج، بانه لا يسير دوماً فوق قضبان العدالة، ولا يلتزم الانصاف في وقفاته عند محطات تقف المرأة تحت مظلتها بانتظار وقوفه لتركب عرباته وصولاً الى محطة الزواج، فهناك محطات يمر القطار بها مرور الكرام وبسرعة لا تقدم فرصة واحدة لركوبه لمنتظرات عندها، وهناك محطات يقف عندها القطار لماماً يتيح لعدد محدود جداً فرصة الركوب، في حين هناك محطات يقف عندها القطار طويلاً حتى انه ينتظر مزيداً من الركاب.
يشرح هؤلاء العلماء هذه الرؤية، منطلقين من احاديث تدور كثيراً بين عزباوات عاملات فاتهن قطار الزواج، لان هذا القطار لم يتوقف عند محطات انتظرن عندها، وعلى هذه الرؤية يبنون اسباب ارتفاع معدلات غياب الزواج عن فئات بعينها من هؤلاء النساء العاملات، وينتهون الى نتيجة تقول: صحيح ان استقلال المرأة اقتصادياً وسع مساحة الحرية التي تتحرك في حياتها فوقها، الا انه وسع ايضا وربما بمقدار اكبر مساحة العزوبية التي بقيت تقف فوقها النساء العاملات بشكل خاص.
يقدمون هذا كله، عبر امثلة يأتون بها مما هو قائم فعلاً عند محطات يمر بها قطار الزواج فهناك:
محطات تقف عندها الطبيبات – مثلاً – تتراجع فيها فرص زواجهن كثيراً، او تتأخر زمنا لا بأس به، ويعود ذلك لاسباب ذات علاقة بقيم اجتماعية بنت حواجز امام زواج هؤلاء الطبيبات ليس من السهل اجتيازها، اضف الى ذلك طول مدة الدراسة الطبية وصولا الى الاهداف العملية المرسومة مع تداعيات طبيعة العمل الذي يمتد غالبا على ساعات طويلة من اليوم كل هذا قد لا يشجع على بناء الاسرة.
ومحطات اخرى، حيث تقف المهندسات والمحاميات وغيرهن من عاملات في مهن محددة، واللواتي لا تحظى أي منهن بفرصة ركوب القطار الا اعداد محدودة، يعود هذا الى طبيعة عملهن التي قد لا تلبي متطلبات انشاء اسرة بالمفهوم الذي تقبله قيمنا الاجتماعية، فالعمل الذي يستقطب من حياة المهندسات والمحاميات ساعات واسعة ليس من نهارهن فحسب بل ومن الليل ايضا يرسم حاجزاً ليس من السهل اجتيازه باتجاه الوفاء لمتطلبات حياة الاسرة.
لكن حين يصل القطار الى محطة تقف عندها «فئة المعلمات « من النساء العاملات، نجد ان الحال اختلف تماما، يقف القطار عند هذه المحطة طويلا، ينتظر ببال طويل صعود المنتظرات كافة، لا بل انه احياناً، يستدعي عربات اضافية، ومع هذا فان شبابا من المنتظرين وصول عربة قطار المعلمات لا يحظون بفرصة زواج وعليهم ان ينتظروا رحلة اخرى، فالمعلمات من النساء العاملات يحظين باقبال ملحوظ وترحيب واسع وسعي خلفهن دؤوب، ولعل هذا يرجع الى طبيعة عمل المعلمة التي تستجيب للقيم الاجتماعية، وتوفر الوقت الكافي لرعاية اسرية، ليس خلال ايام الحياة ولكن عبر سنواتها التي تحظى بعطل تجعل من العمل في المدارس رغبة عارمة لقطاع كبير من النساء العاملات.
قد تكون هناك مساحة ما من صدقية تمتزج بهذه الرؤية لكنها حتماً ليست صدقية شاملة كاملة تنطلق من احصائيات دقيقة تاخذ في اعتبارها معطيات الاحصاء الاجتماعي السليم، تغطي كامل حوافز الاقبال على الزواج، عند الشباب والشابات، ان هذه الرؤية بالاحداث التي جاءت عليها، لا تقدم التعليل العلمي السليم لارتفاع نسبة العزوبية عند النساء العاملات فهناك معلمات لم يحظين بفرصة ركوب القطار والوصول الى محطة الزواج!
يبقى هذا كله رأيا.. يخضع لمواجهة رأي آخر.. قد يسقطه!
suha.hafez@yahoo.com
سهى حافظ طوقان