«وقضينا إلى بني إسرائيل لتفسدُنّ في الأرض مرّتين ولتعلـُنّ علوّاً كبيراً».
(الإسراء)
ذكرت هذه الآية الكريمة مرتين في الأسبوع الماضي، الأولى وأنا أتابع استعراض الدولة الصهيونية لقوتها وغطرستها وسيطرتها على دول العالم، فقد فرضت إرادتها على المطارات المختلفة، وأجبرتها على منع ناشطين من استقلال الطائرات للمشاركة في حملة « أهلاً فلسطين».
وقد أصبحت هذه الحملة ظاهرة سنوية للتضامن مع فلسطين، ينظمها خمس وعشرون منظمة فلسطينية، ويشارك بها أفراد ومنظمات من مختلف دول العالم، يأتون إلى مطار بن غوريون، ويعلنون لموظفي الجوازات أنهم قادمون لزيارة فلسطين، ويستقبلهم ناشطون يحملون يافطات كتب عليها «أهلا بفلسطين».
وفي خطوات مسعورة لمنع اسم فلسطين من أن يذكر في مطار الاحتلال، استباحت مخابرات الصهاينة قواعد البيانات لتجمع المعلومات عن الذين يرغبون بزيارة فلسطين، وتجسست على رسائلهم الإلكترونية ونشاطاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصدرت قرارات بمنع خطوط الطيران من بيع تذاكر للبعض، وإلغاء الحجوزات للآخرين، حتى أن بعض اليهود أجبروا على النزول من الطائرات لمجرد الشك في أصولهم ونواياهم، كما منع بالمعيّة رجال أعمال ودبلوماسيون من دخول مطار المحتل. ومن وصل من الأبطال تعرض للضرب والسجن، دون أية تهمة أو مخالفة سوى رغبتهم بزيارة فلسطين.
يحدث كل ذلك بحق مواطنين من دول العالم الأول، ولكن الدولة الصهيونية تبقى فوق الجميع وتفعل ما تريد، والآخرون لا يحق لهم سوى الطاعة، ألم تسنّ في بريطانيا بعد حرب غزة قوانين تمنع ملاحقة المسؤولين الإسرائيلين لحماية مجرمي الحرب الصهاينة؟ ألم يقدّم الفرنسيون حريتهم التي يتغنون بها قربانا للصهيونية عندما شرعوا قوانين ضد العداء للسامية، تلك القوانين التي كممت الأفواه وحجرت على المفكرين ومثلت سابقة احتذت بها أوروبا؟
وقد ذكرت سورة الإسراء مرة أخرى عندما قرأت تقريراً، أكّده أكثر من صديق، عن التفرقة العنصرية العكسية التي بدأت بالظهور في الولايات المتحدة، ومحاباة الأمريكيين من أصول إفريقية على حساب الأمريكيين البيض. فالرواتب العالية والوظائف المهمة والمناصب السياسية أصبحت من نصيب الملونين، وتفاوتت الخدمات بين أحياء البيض والسود، وفي ولايات كاملة أصبح البيض معزولين في أحياء خاصة، يشعرون بالظلم والتهميش.
هذا المخطط الجهنمي ينسب إلى الصهاينة الذين يملكون زمام الأمور، فهم ينقلون الحكم إلى أيدي الملونين الذين طال تهميشهم في التاريخ الأمريكي، بشرط أن تنفذ الإملاءات دون نقاش، والملونون الذين انتقلوا فجأة إلى الصدارة تنحصر أولوياتهم في تقلد المناصب والعيش الكريم، وليست لديهم مطالب في السياسة الخارجية للولايات المتحدة و لا مواقف معادية لليهود، ولذا تسهل السيطرة عليهم أكثر من البيض.
مرة أخرى تثبت إسرائيل أنها دولة عنصرية قمعية، تذهب بعيداً لتخفي حقيقتها عن الناس، وتمنع الفلسطينيين من أبسط حقوقهم في الزيارة والتفاعل مع شعوب العالم.
أي تجبر وتسلط وعلو للصهاينة في العالم، وكأنهم لم يتعلموا من دروس الماضي، فالابتزاز والدسائس وحب السيطرة دفعوا ثمنها عبر العصور من بابل إلى خيبر ومن إشبيلية إلى النازية، وهذا المصير المحتوم أمر يصنعونه بأيديهم.
فكم من أوروبي أو أمريكي تجالسه فيسرّ إليك بأن الصهاينة يتحكمون في بلده ولقمة عيشه، وكم من فيلم وخبر وتحليل يفضح ممارساتهم. هذه الحقائق والأحداث يراها الناس يومياً، ومن المستحيل اخفاء ما يحدث، ولا يدل على الحركة المعادية للصهيونية من شعوب الأرض أكثر من الدعم والتعاطف المتنامي مع القضية الفلسطينية، ونجاح حملة « أهلاً فلسطين».