بكى المقاتلون السودانيون من شمال السودان ومن جنوبها وهم يتقاتلون، الأول من أجل استعادة الموقع النفطي هجليج والثاني من أجل التمسك به. لو لم يكن الموقع نفطيا لما اهتم به أي من الطرفين. كان البكاء خير معبر عن تلك العداوة، فيما كانا في السابق أرضا واحدة، وجغرافيا واسعة لكليهما، .. كانت أخوة صنعت عداء، مثلها مثل ما حصل عبر التاريخ حين تقاتل المسلمون وسجلوا العديد من التواريخ بالدم الاسلامي، وحين تقاتل المسيحيون أعواما طويلة، وكذلك حال الأوروبيين، والاميركيين.
لكن الكثير من مشاهد التقاتل العالمي توقفت إلا قتال العرب والمسلمين.. هي ظاهرة لا تخفى على أي متتبع .. العالم الإسلامي والعربي بات مرتبطا عضويا بصراعات صارت جزءا من نسيجه، ومن تركيبته .. اختراع صراع دائم من أجل لي ذراعه، وتصفية الحسابات التاريخية معه، وابقائه رهن التبعية، مع كذبة اسمها الاستقلال، فلا هو مستقل اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا سياسيا، ولا هو قادر على تكملة حياته اعتمادا على قواه الذاتية التي لاتقدم شيئا للعالم.
لكن العرب أكثر بروزا في عملية الصراع. هي مشقة الأخوة التي حدثت عبر كل تاريخه، وتجلت في بانوراما محيرة ابان الحكم العربي الاسلامي في بلاد الأندلس حين اندفعت الأقاليم والمدن الى قتال بعضها، وقيل إنها كانت في حدود 22، هو ذات العدد للعرب في الجامعة العربية اليوم. لم يتقاتلوا فقط ضد بعضهم البعض ، بل إن بعضهم اتحد مع الأجنبي ضد أخيه العربي، فاذا جميعهم صرعى، ومقتولون، وأكثرهم هرب إلى دنيا الله الواسعة، ومن بقي حيا كان عليه أن يصبح من أهل البلاد أو أن يعذب ويقتل. كانوا مسؤولين عما وصلوا اليه، وما اقترفته أيديهم، هي التي أخرجتهم من بلاد حكموها لأكثر من ثمانمئة عام.
العرب اليوم كثيرو الشبه بالأمس، ليس جديدا ما نكتب، لكن تكرار الفاجعة، والذهاب الى الخطر بوعي وتبصر، فيه الكثيرر من العبر التي تحتاج لقراءات متأنية، لكن الحكم السريع عليها، يوصلنا الى التأكيد بأن العرب مؤهلون لهذه الغايات، اضافة الى قدرة الاجنبي على اختراق عقولهم، بل الشك أحيانا بأن بعضهم هو من يقدم لذاك الأجنبي تجلياته في ما يريد فعله ازاء أخيه العربي.
ما يحدث اليوم فضيحة وكارثة .. إنه الزلزال المدوي، أو الفهم الخاطيء الذي لايعرف المثل القائل بأن ” قتلت يوم قتل الثور الأسود ” وأن اللعب بدم الأخ سيضيف الى ذكرى مايشبهه في التاريخ الذي لم يرحم في السابق ، ولن يرحم بالتالي من اللاحق .