نعرف أن الرئيس السوري بشار الأسد يعرف أن الانتخابات النيابية في بلاده لن تغير شيئا من طبيعة الصراع ضده، لكنه يسعى لأن يجعل سوريا واحة للديمقراطية، غدا أو بعده، المهم أن الغد هو محور عمله. كما انه يعرف ان مجيء أولاند على رئاسة الجمهورية الفرنسية لن يغير من موقع فرنسا من أزمة سوريا، وحتى لو تغيرت مستشارة ألمانيا ميركل، وخسر أوباما تجديد رئاسته وذهب برلسكوني الايطالي الى غير رجعة، بل لو تغير العالم كله وظل اللاعبون في سوريا على حالهم فإن أزمة بلاده لن تتغير.
من نام في فرنسا قرير العين ومن سالت دموعه على خسارة، فلن يعني أن مستقبل المنطقة العربية موضوع في جلباب الرئيس الفرنسي الجديد، لم يعد للفرنسي او الاميركي او البريطاني او حتى الروسي وغيره من أهمية سوى وضعه الداخلي، معدته بالدرجة الأولى، وكل مايخصه حتى لو تعلق بشؤون خارجية كما هو حال الجنود الفرنسيين في افغانستان على سبيل المثال، ليس مهما عنده ما يدور بعيدا عنه او حتى في محيطه، سوى أنه يتطلع الى المنطقة من باب حاجته للنفط ومن ييسر له سيلانه فهو معه ايضا.
اما المصطلحات التي تخص دول الغرب فليس لها أدنى تأثير في منطقتنا ايضا.. وسواء كان اشتراكيا او ديجوليا او متعصبا او نازيا او رافعا لشعار الديمقراطية وغيره من التسميات، فهو فرنسي بالدرجة الأولى وكذلك ألماني وايطالي وبريطاني واميركي .. الخ .. لكنه يتطلع الى المنطقة بعيون اسرائيلية اذا ماتحركت مشاعره وسرح وجدانه في خضم الصراع العربي الاسرائيلي او في القضية الفلسطينية. مصطلحاتهم تخصهم في الصميم، وأحزابهم تعبير عنهم، وصور تجمعاتهم ليس لها أدنى علاقة بذرة من اهتماماتنا.
رقص الفرنسيون وهيصوا حتى الفجر، فيما نام على وجهه مع دموع مستباحة من خسروا الرهان، لكن فرنسا لم تعد عملاقة ولا مؤثرة، صارت ذيلا في حراك أميركي، ورقما مهما في وحدة تعاني وقد تشتد معاناتها، وقد يفرط عقدها ان هي لامست مساحات الخطر. هذا ما يعني أهل فرنسا وأوروبا عموما، فالفرنسيون الذين أسسوا لبنان يعتبرونه حاليا فائضا جغرافيا، وكل بلد عربي قد باشر حراكه ولن تنتهي مفاعيله لسنوات طويلة، وان المطلوب من كل هذا التغيير الذي يلد أزمات وليس نتائج حلول، ان يحفظ اسرائيل ويصونها ويؤمن لها الاستمرار.
مرة واحدة قفزت فيه فرنسا الى صورتها العملاقة يوم كان على رأسها العملاق الجنرال ديجول، ومع ذلك أسقطه الفرنسيون حين كادت تتغير اللعبة الفرنسية تجاه اسرائيل.