مثلما توقعنا منذ عدة شهور, اصبح من الواضح ان اجراء الانتخابات النيابية هذا العام, ليس ممكنا. موعدها الممكن في العام .2013 وعندها سوف تُجرى بقانون انتخابات مسلوق, وفي ظل انقسامات سياسية حول كل الملفات الوطنية. وفي الاثناء, تتعاظم الازمة الاقتصادية ¯ الاجتماعية, ويتفاقم مأزق المالية العامة من تصاعد المديونية والعجز.
تسويفات حكومة عون الخصاونة فيما يتصل بقوانين الاصلاح السياسي, نجحت في مدّ عمرها. وستكون كارثة اذا بقي الخصاونة في الدوار الرابع حتى .2013 انها حكومة معزولة, ولا يأخذها احد على محمل الجد, سواء بسبب غيابها عن حقائق الواقع ومتطلباته, او بسبب النظر اليها كحكومة مؤقتة. الان, ومع ظهور احتمالات استمرارها فترة اطول, ستتكوّن جبهة من ائتلاف شعبي وبيروقراطي ضدها.
إذا اراد المرء ان يصف بإيجاز ما الذي يحدث في الاردن منذ مطلع ,2011 فلن يجد افضل من هاتين الكلمتين: تقطيع الوقت. لكن الوقت, في الحقيقة, هو الذي يقطعنا, فنحن نواجه ازمات سياسية واقتصادية واجتماعية ومالية لها طابع تدميري. والتعامل الناجع مع هذه الازمات, لا ينتظر الانتخابات ولا الحكومة المنبثقة عنها. بالعكس, الانتخابات في ظل الازمات والانقسامات, ستكون وصفة لتفجير المشهد كله, وإطلاق الشياطين السود من مكامنها.
لا يستطيع المرء الا ان ينظر بروح ايجابية الى التوجّه الملكي نحو الالتزام بشروط الولاية العامة للحكومة, لكنها مفارقة ان يكون ذلك الالتزام نحو حكومة متواضعة التمثيل والتشكيل والامكانات, وتتمحور نشاطاتها حول هدف واحد هو تسخير كل الاوراق لتأمين فوز رئيسها ¯ وشلته ¯ في الانتخابات النيابية المقبلة.
الولاية العامة الان هي مربط الفرس في كل عملية التحول الديموقراطي في البلاد. ولكن الحكومة التي تستحق الحصول على الولاية العامة هي حكومة وطنية تمثل اوسع الاطياف السياسية والاجتماعية, وتضم افضل عناصر النخبة السياسية والتكنوقراطية, وتلتزم ببرنامج اصلاحات واسعة, وتمهد الطريق لحكومة برلمانية.
بدلا من اللقاء والتفاهم حول المرحلة المقبلة, انشغل الحراك والقصر معا بملف جانبي; تصعيد لفظي وتصعيد امني, بينما جرى ترك السياسة لحكومة ملتزمة بأجندة خارجية وأخرى خاصة, وها نحن سننشغل في مناقشات وصراعات حول قانون الانتخاب, النظام الانتخابي, الحملة الانتخابية, والانتخابات. وفي الاثناء, سوف تصطدم رؤوسنا بالجدار. وسيدفع الكادحون, الثمن الباهظ للتسويف والاجندات الخاصة.
المهمة الملحة المطروحة الان على جدول الاعمال الاردني, ليست الانتخابات ( فلتجر في موعدها العام 2014), وإنما تشكيل حكومة وطنية تحظى بالولاية العامة, وتبدأ, فورا, بتنفيذ برنامج التغيير الاقتصادي ¯ الاجتماعي ( وفي مقدمته تصفية حقبة النيوليبرالية والخصخصة والفساد) بدلا من انتظار المنح والمساعدات التي اصبحت فاتورتها السياسية اليوم باهظة جدا, بل ربما تساوي وجودنا الوطني نفسه.
ynoon1@yahoo.com