قام رئيس الوزراء عون الخصاونة قبل أيام بإشهار ذمته المالية وذلك ضمن المدة القانونية التي حددها قانون إشهار الذمة المالية رقم (54) لسنة 2006 ، حيث قام بتعبئة نموذج إقرار الذمة المالية المعد خصيصا لهذا الغرض مرفقا معه بيانا خطيا منفصلا يبين فيه مصادر اكتساب موجوداته المنقولة وغير المنقولة ومن ثم تسليمهما إلى دائرة إشهار الذمة المالية في وزارة العدل.
إن ما يسجل لرئيس الوزراء أنه قد أوفى بما التزم به أمام السادة النواب وأثناء مناقشات الثقة بحكومته من أنه سيقوم بإشهار ذمته المالية وفق أحكام القانون وتفعيل قاعدة “من أين لك هذا?”. إلا أن عدم تقيد أي من الوزراء في حكومة الخصاونة حتى الآن بأحكام قانون إشهار الذمة المالية وعدم فاعلية آلية إشهار الذمة المالية في القانون الحالي يقلل من قيمة ما قام به رئيس الوزراء. فعلى الرغم من أن الخصاونة قد حاول أن يقدم المثل الأعلى لباقي أعضاء فريقه الوزاري بضرورة الإفصاح عن ذممهم المالية ضمن الوقت القانوني المحدد, إلا أننا لم نسمع حتى الآن عن أي وزير قد سار على هدي رئيسه من خلال إشهار ذمته المالية ذلك على الرغم من تسلم الوزراء تبليغات بتقديم إقرارات ذمتهم المالية وإشهار كل مال منقول أو غير منقول أو منفعة أو حق منفعة أو أي زيادة على أموالهم أو أموال أحد أولادهم القصر.
إن تحرك السادة الوزراء لإشهار ذمتهم المالية من المتوقع أن يبدأ بمجرد أن تلوح دائرة إشهار الذمة المالية بتطبيق العقوبات الجزائية المنصوص عليها في القانون والتي تجرم كل من امتنع عن تقديم إقرارات الذمة المالية بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات, وهو ما يعكس انعدام أي دافع أو وازع داخلي لدى السادة الوزراء بأهمية إشهار أموالهم وممتلكاتهم لتحقيق مبدأ الشفافية والحيادية في العمل الحكومي.
إن قانون إشهار الذمة المالية ذو طبيعة خاصة يختلف كل الاختلاف عن القوانين الأخرى من حيث ان الجزاء يجب أن لا يكون المحرك الرئيسي والسبب الأساسي للالتزام بنصوصه وأحكامه, بل لا بد من وجود إرادة داخلية تلقائية من السادة المكلفين بتطبيق نصوصه. لذلك نجد أنه من الضروري بلورة ثقافة عامة لدى السادة الوزراء بأهمية الالتزام بروح قانون إشهار الذمة المالية قبل الالتزام بحرفية بنوده. تلك الثقافة من شأنها أن توجد قناعة وحسا ذاتيا لدى الوزراء ليس فقط بضرورة الإسراع في الإشهار عن أموالهم ومصالحهم المالية, بل بالافصاح الدوري عن أية زيادة أو تغيير في طبيعة وحجم تلك الأموال والمنافع. فهذا القانون لا يتعدى مجال انطباقه على أعضاء مجلس الوزراء فحسب بل يمتد ليشمل فئات أخرى من الموظفين العامين كالنواب والأعيان والقضاة ورؤساء المؤسسات الرسمية العامة والمدنية العسكرية وموظفي الفئات العليا, حيث يجب أن يكون التزام السادة الوزراء بأحكامه ونصوصه قدوة ومثالا لباقي الموظفين العامين.
وحول آلية إشهار ذمة الوزراء المالية في الأردن فإنها تمتاز بانعدام أي درجة من درجات الشفافية أو العلنية, حيث يشترط قانون إشهار الذمة المالية الأردني أن تحفظ كشوفات الذمة المالية الخاصة برئيس الوزراء والوزراء في ظرف مختوم يوضع في خزانات خاصة في وزارة العدل وأن لا يتم فتحها إلا بعد ورود شكوى حول تنازع مصالح أحد الوزراء المالية مع واجباته الحكومية.
إن مثل هذا الإجراء يعد قصورا في مفهوم إشهار الذمة المالية من شأنه أن يلغي الغاية من الإفصاح عن أموال وممتلكات الوزراء والتي لن تتحقق مع بقاء كشوفات ذمم الوزراء المالية في ظروف مغلقة تحفظ في خزائن خاصة في دائرة إشهار الذمة المالية واعتبارها من الأسرار التي يحظر نشرها أو افشاؤها. لذا لا بد من التخلي عن مبدأ قدسية كشوفات إقرارات الذمة المالية الخاصة بالوزراء واستبدال مبدأ السرية غير المبررة لإقرارات الذمة المالية بمبدأي العلانية والشفافية, بحيث تكون مثل تلك الإقرارات متاحة للرقابة الشعبية وأن يكون لكل فرد حق الحصول على تلك المعلومات.
إن أبسط ما يمكن قوله عن إجراءات إشهار الذمة المالية المطبقة حاليا في الأردن أنها قد غيرت اسم القانون من قانون إشهار الذمة المالية إلى قانون إخفاء الذمة المالية, وهو ما يقلل من أهمية ما قام به رئيس الوزراء الخصاونة من الإفصاح عن ذمته المالية ضمن المدة القانونية.
العرب اليوم