فيصل الشبول -
تتغير المواقف والتحالفات ويأخذ الربيع الاردني اشكالا جديدة في عامه الثاني.
ففي الوقت الذي يبدو الحراك الشعبي وقد تشظى الى اسلاميين ويساريين ومتقاعدين وحراكات شبابية وعشائرية نجد ان موقف الدولة يتوزع ولو همسا بين عدة مرجعيات لا تنظر الى ” الربيع” بعين واحدة .
اقتراب الحكومة من ” الاخوان” يجعل الطرفين في مرمى نيران الاصدقاء والخصوم، فيظهر الرئيس وكأنه اخترق المعارضة بتفاهم مع عمودها الفقري، بينما يظهر الاخوان وكأنهم وضعوا ادوات الربيع في جيبهم قبل ان يجلسوا الى الطاولة.
مضى عقد من الزمن لم يكن احد في الدولة معنيا بحوار سياسي مع الاخوان. كان التنسيق معهم امنيا محضا وسادت في زمن اختطاف مؤسسات الدولة من قبل مراهقين ومتلاعبين فرضية هزيمة التيار الاسلامي وعزله وتفكيكه لدرجة ان الاوامر كانت تصدر بعدم السماح لاي ” لحية ” بالظهور على وسائل الاعلام .
ثبت اليوم على ارض الواقع ان اولئك الذين احتكروا الحرص على الدولة في حينه لم يخرجوا فاسدين فحسب، بل انهم مهدوا الارض للاشواك وزرعوا بذور الكراهية وهيأوا المجتمع للتشظي .
تعاملت الدولة منذ مطلع العام الماضي بكثير من الحكمة وقليل من النزق مع الربيع الاردني وادى ذلك حتى اليوم الى تجنب الدم وهو اخطر ما يمكن ان تصل اليه دولة في الربيع العربي، كما انه الحد الفاصل بين الشرعية وفقدانها كما جرى ويجري في اكثر من، بلد عربي .
يتهيأ الاردنيون اليوم لمواجهة استحقاقات الاصلاح السياسي فتزدحم عمان والمدن الاخرى بالاجتماعات والمشاورات لانشاء احزاب وجمعيات ومنتديات جديدة تمثل مصالحهم اليوم وليس غدا، لعل بعضهم يحصل على شيء من كعكة الانتخابات.
الحقيقة الاكثر وضوحا في اذهان الناس ان العام الماضي شكل مفصلا تاريخيا جديدا فما بعده لن يكون كما قبله باي حال .
تتحرك ” النخب ” لملء الفراغ الآتي، ولمواجهة تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية داهمة .
لسان حال الجميع كيف سنواجه التيار الاسلامي الذي جاء بديلا في تونس ومصر وليبيا وربما سوريا واليمن .
مازال البعض يعتقد ان مواجهة الاسلاميين تتطلب حرق مزيد من مقارهم ورجمهم بالحجارة او اطلاق الالعاب النارية او الرصاص في حفل ولاء .
الخوف من فوز الاسلاميين بالاغلبية في اي انتخابات مقبلة يؤدي بالبعض الى التعبئة الكلامية والتشهير وربما التلويح باستخدام العنف .
في المقابل فان احتواء الاسلاميين بالاساليب القديمة لم يعد ممكنا ليس لان قادة العمل الاسلامي خرجوا من مظلة الدولة او غادروا طاولة الحوار نهائيا، بل لان قواعد اللعبة تغيرت تماما واصبح كل شيء علنيا بما في ذلك طموحات شباب الاخوان التي جاوزت الحد الادنى الذي كان مقبولا على مدى العقدين الماضيين .
ان الاسلوب الوحيد للتعامل مع الحراك بكل اشكاله وبضمنه الحركة الاسلامية هو الفكر والحجة والحوار، فما هي الادوات التي تمتلكها الدولة في هذه المواجهة؟
لقد نجح مختطفو مؤسسات وقرارات الدولة على مدى السنوات القليلة الماضية في تشويه صورة الدولة ومؤسساتها ورجالاتها فوضعوهم جميعا في خانة الاتهام .
وعبث العابثون بوسائل الاعلام حتى غدا البعض منتجا للشائعات والاتهامات والتشويه وكرس مفهوم الشتم والتحقير باعتباره جزءا من حرية الاعلام . وجبنت وسائل اعلام رصينة خشية الانزلاق الى الفوضى .
في الربيع العربي استعجلت انظمة في محاصرة الحراك الشعبي فغرقت في الدماء، ونجحت اخرى ونحن منها في الشروع بالاصلاحات وضبط النفس وهذه الاخيرة مهمة لكنها غير كافية للعبور .
كي نعبر الربيع المضطرب الى ربيع مشمس فلابد من الاجابة على الاسئلة المطروحة جميعها… اجابات مقنعة غير قابلة للتأويل او التأجيل وفي مطلع تلك الاسئلة، لماذا يجلس الذين عبثوا بصورة الوطن وقوت ابنائه في قصورهم من دون سؤال او جواب ؟
وفي مطلعها ايضا اقناع الجمهور اننا نسير ضمن برنامج واضح لتحقيق الاصلاح لا لشراء الوقت .