هل هو الشكل الجديد من الصراع العربي الاسرائيلي الذي يستخدم أدوات العصر وأساليبه ويخوضه جيل جديد من العرب يستعد لوراثة أجيال حملت الهزائم وراكمتها، ويستكمل مسيرة الثورة العربية الراهنة، ويخصص لعدو الامة بعض الجهد والوقت والمال لمقارعته؟
ما يدور بين قراصنة الانترنت العرب والإسرائيليين هذه الايام يعلن إدامة الصراع أو يؤكد ان ذلك الصراع لن يموت ولن يُنحّى جانبا، وستظل هناك طليعة عربية مقاتلة، تخرج من صفوف الثوار العرب الذين يحطمون أصنام الطغاة ويهدمون هياكلهم، وتوجه سلاحها نحو العدو الاسرائيلي، الذي كان قد عبر عن بعض الاطمئنان الى ان أعداءه التاريخيين غرقوا في مشكلات داخلية معقدة يمكن ان تمتد لسنوات.
القراصنة العرب الذين يهاجمون المواقع الاسرائيلية اليوم بقيادة القرصان السعودي “اوكس عمر” هم أشبه بالمجموعات الفدائية الاولى التي خرجت في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، وضمت فلسطينيين وعرباً من مختلف الجنسيات، وأطلقت الرصاصات الاولى على العدو الذي كان يشعر (مثلما يشعر الآن) انه حسم الصراع وانتصر فيه، ولم يعد يواجه تحدياً جدياً لا من الجانب الفلسطيني ولا من الجانب العربي ولا من أي جانب آخر.
اللافت في هذه المجموعة الفدائية المعاصرة أنها تأتي من السعودية بالذات التي كان دورها الماضي في الصراع يقتصر على تقديم المال والدعم السياسي للمقاومة الفلسطينية ولدول الطوق. القرصان عمر يضعها على خط الجبهة الأمامي مع العدو الاسرائيلي، مثلما سبق أن فعل اسامة بن لادن الذي وضعها على خط الجبهة الأمامي مع السوفيات ثم مع الاميركيين.. مع الفارق الجوهري الكبير بين التجربتين وصوابية أهدافهما، والجدل الذي كانت ولا تزال تثيره تجربة بن لادن.
وهي ظاهرة استثنائية فعلا ان يعيد الجيل الشاب في السعودية ودول الخليج العربية تحديدا اكتشاف الصراع العربي الاسرائيلي والانخراط فيه، بعدما كان الانطباع الراسخ هو ان ذلك الجيل يفتقر الى الوعي والثقافة والاهتمام بغير الاستهلاك والاستهتار بالقيم والمصالح. لا يمكن ان يكون القرصان عمر حالة فردية معزولة، مثلما لا يمكن ان يكون وراءه تنظيم سياسي.. لا تحتاجه أصلا تلك المواجهة السرية مع العدو.
وهو تطور بارز حقاً، لا يمكن ان يظل محصوراً في الإطار السعودي أو الخليجي الذي تتوافر لديه الأدوات والتقنيات المتقدمة لخوض مثل هذه المعركة لاختراق المواقع الاسرائيلية الحيوية، المصرفية اولا. في بقية البلدان العربية مثل هذا الجيل وتلك المعرفة المطلوبة لشن الحرب الالكترونية التي يمكن ان تشل دولة اسرائيل وتعطل عمل مؤسساتها وتحول حياة سكانها الى جحيم.. وهو ما يتوقعه الإسرائيليون يوما ما ويعدون العدة لخوض مثل هذه الحرب، التي يبدو انها باتت الخيار الوحيد أمام الجانب الفلسطيني والعربي بعدما تلاشت بقية الخيارات العسكرية والأمنية وضاعت الخيارات الفدائية والاستشهادية.
لعل الامر لا يعدو كونه مزحة أو خدعة، لكن الامر يستحق العناء والرجاء.