يعرف «القفا» بأنه تلك المنطقة المنبسطة لحمياً من بين نهاية أسفل خلف الجمجمة وبداية منتصف الكتف
وعرف الفلكلور أن الضرب على القفا يعني نوعا من الإهانة لكرامة الرجل الشرقي.
وفي المدارس يقوم الطلاب الأشقياء ذوو القلوب الغليظة بالاستفراد بزملائهم من الطلاب النابهين وضربهم على قفاهم، خاصة إذا كانوا – كعادتهم – يجلسون في الصفوف الدراسية الأولى.
ومن الموروث الشعبي للاعتداءات الأمنية لبعض رجال الأمن في أقسام الشرطة العربية على أشقائهم من المواطنين البسطاء هو سيل من ضرب «الكفوف» على «القفا» ترحيبا بزيارتهم لأقسام الشرطة.
ولا تحصل المرأة العربية على حصتها من الضرب على «القفا» بشكل مادي بسبب الحماية التي يوفرها شعرها الذي يغطي منطقة القفا الأنثوي، أما أصحاب الصلعة الساطعة أمثالي من الرجال فإن قفاهم هو مدرج مطار لهبوط أيادي وصفعات أولاد الحلال!
وأعتقد أن حالة العرب في المائة سنة الماضية يمكن إجمالها في مقدمة لكتاب تاريخي بعنوان «مائة عام من الصفع على القفا».
وحالة الالتهاب القفوي التي عاشها بعض المواطنين العرب والتي لم تنفع فيها الكمادات السياسية أو بودرة «التلك» الاجتماعية، أو المراهم الاقتصادية هي أحد أهم أسباب ثورات الربيع العربي! وكنا نخشى أن تتحول حالة التحرش القفوي هذه من السلطة تجاه المواطن إلى حالة إدمان!
نعم، من الممكن أن يتحول الضحية الذي يتألم إلى معتاد على الألم بشكل لا يستطيع الحياة من دونه، فيذهب إلى جلاده راجيا باكيا متوسلا: «أرجوك اضربني على قفايا يا باشا» أو أن يقول له: «قفايا بياكلني محتاج لصوابع حضرتك اللي زي صوابع الكفتة»!
إن ثورة الضحية على جلاده، هي مفتاح فهم ما يدور الآن من غضب شعبي جامح داخل العديد من المجتمعات العربية، وكأن الإنسان العربي الذي عاش منبطحا مستكينا لعقود طويلة يصرخ الآن هاتفا: «كفاية»! الأزمة أن رفض الضحية لجلاده ليس كافيا لبناء مجتمع جديد، فلا يكفي أن أقول «لا» للحاضر ولكن كيف سأصنع مستقبلا يمكن أن أقول له «نعم»؟