محاولة إحياء “عملية السلام”, التي بدأت في عمان يوم الثلاثاء الفائت, ستنتهي بالفشل مهما فعلت الأطراف العربية والأوروبية لتنشيطها, فلا فائدة من النفخ في جسم ميت, كما حذر القائد الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي من داخل معتقله أمس الاول.
يبقى السؤال الأهم هو من الطرف المستفيد من فتح محادثات هي ليست أكثر من “مفاوضات” من أجل الاتفاق على شروط بدء “المفاوضات”, حول الحل النهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين? خاصة وأن مثل تلك العملية تكررت, ولمرات عديدة, من خلال لقاءات مباشرة وغير مباشرة, ولم تنجح في التوصل إلى مرجعية موحدة لاستئناف المفاوضات أو حتى إلى تقريب وجهات النظر المتباعدة.
فإسرائيل, وليس فقط الحكومة اليمينية المسيطرة, لن تقبل بمطالبة الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة, عاصمتها القدس الشرقية, ولا بوقف شامل لبناء المستوطنات اليهودية في جميع أنحاء الضفة الغربية, بما فيها القدس الشرقية, كأساس لاستئناف المفاوضات, فيما لا تستطيع القيادة الفلسطينية, ولا تملك تفويضاً, للتراجع عن موقفها التفاوضي, الذي يمثل الحد الأدنى للتفاهم الفصائلي في ظل رفض شعبي تام لأي شكل من المفاوضات, بما فيها اللقاءات التي بدأت الأردن باحتضانها ورعايتها.
التعليلات الرسمية, الأردنية والفلسطينية منها, وإن تباينت في تفاصيلها, تدخل في إطار “كف الشر” الأمريكي والإسرائيلي وتسعى إلى “برهنة”, للمرة الألف, أن الطرف العربي لا يزال يؤمن بخيار السلام وإلى “فضح” الدور الإسرائيلي المتعنت والمعرقل للمفاوضات والسلام.
الغريب والمحزن, انه وبعد عام على بدء الثورات العربية, واستمرار التصعيد الإسرائيلي, وبتسارع, في مصادرة الأراضي وتشييد المستوطنات, وهدم البيوت وأسر الفلسطينيين, وقصف قطاع غزة, أن الطرف العربي يشعر بأنه لا زال مجبراً على “إثبات حسن النوايا” وكأنه هو الطرف المعتدي لا المعتدى عليه.
أسباب الضعف الرسمي بحاجة إلى تحليل معمق, ولكن يبدو أن دخول واشنطن على خط الثورات, واستعدادها إلى التخلي عن حلفائها, أصبح هاجساً لدى صناع القرار الذين يتجنبون إغضابها, خاصة في ظل استمرار الحاجة إلى المعونات الأمريكية التي يستطيع الكونغرس الأمريكي, في أغلبيته المتعصبة لإسرائيل, حجبها أو إقرارها.
من الواضح أن هناك قناعة بأن مثل هذه اللقاءات “ذات الطبيعة الاستكشافية” ستجنب الأردن, وحتى السلطة الفلسطينية, تحريض الكونغرس المتصهين فيما تمنح القيادة الفلسطينية هامش المناورة, تجنبها والمزيد من الضغوط, وتتيح لها التوصل إلى إستراتيجية عمل لمرحلة ما بعد انتهاء الموعد النهائي الذي وضعته اللجنة الرباعية, لتقديم كل من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ردهما على اقتراحاتها في السادس والعشرين من الشهر الحالي.
لكن حتى لو سلمنا جدلاً بأن المحادثات ليست أكثر من استكشافية, وقبلنا بالتبريرات الأردنية والفلسطينية, فان ذلك لا يعني أن إسرائيل لن تستفيد, ولن تكون حتى المستفيد الأكبر من هذه المناورات الدبلوماسية, ذلك من دون تجاهل أن اللجنة الرباعية, التي تحاول إطالة عمرها بالرغم من فشلها وتحولها إلى مجرد أداة للسياسة الأمريكية, هي أيضاً منتفعة من استمرار “عملية سلام” خيالية.
المهم هنا أن إسرائيل تستفيد مهما كانت النتيجة, فمجرد عقد اللقاء منح إسرائيل فرصة لم تتسن لها منذ زمن لمحاولة تخفيف العزلة الدولية, عليها, بالأخص الشعبية منها, بفضل حركات المقاطعة المنتشرة في أرجاء مختلفة من العالم, ولتي أدت إلى إلغاء العديد من حفلات لفنانين غربيين كان من المقرر إقامتها في إسرائيل, والى إلغاء شركات عالمية عقودها مع الحكومات الإسرائيلية.
كما أن مجرد الإيحاء بأن الحكومة الإسرائيلية مستعدة للدخول في مفاوضات, سيؤثر سلبا على الحملة الدبلوماسية التي تخوضها السلطة الفلسطينية نفسها, والتي أدت إلى اعتراف اليونسكو بدولة فلسطين, وكانت من المفروض أن تستمر وتتطور إلى حملة قانونية ضد الاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية.
الأهم من ذلك كله, أنه حتى وإن كانت اللقاءات ليست أكثر من استكشافية الطابع, فإنها توفر فرصة جديدة لإسرائيل والقوى الغربية للضغط على السلطة الفلسطينية للتنازل عن شروطها لاستئناف المفاوضات حول الحل النهائي وبالتالي يعود الجانب الفلسطيني إلى قفص الاتهام كطرف معرقل لعملية سلام ليست موجودة أصلاً.
أما المشكلة الأكبر فإن طبيعة اللقاءات, ودور اللجنة الرباعية فيها, ستجعل الأردن أكثر عرضة للضغوط الغربية, وحتى الابتزاز, للقيام بدور الوسيط بحجة “إحياء عملية السلام”, كما حصل من قبل مع النظام المصري السابق, وفي هذا خطر على الأردن يضعه في تناقض مع المواقف الشعبية الأردنية والفلسطينية, وسيزيد من التأزيم الداخلي, وهو ما لا تحتاجه وقد لا تتحمله البلاد.0