ان يرفض الرئيس المصري حسني مبارك ربط موضوع اتفاق التهدئة بمصير الجندي الاسرائيلي الاسير جلعاد شليط، فهو تطور ايجابي نتمنى ان يكون عنوان مرحلة جديدة في التعامل المصري مع هذا الملف الاستراتيجي.
فمن الواضح ان الرئيس مبارك قد طفح كيله من جراء المراوغات الاسرائيلية التي شكلت احراجاً كبيراً للوسيط المصري. ففي كل مرة يتوصل فيها هذا الوسيط الى اتفاق مع مفاوضي حركة المقاومة الاسلامية حماس تنسف الحكومة الاسرائيلية هذا الاتفاق من خلال تقدمها بشروط تعجيزية جديدة.
بالأمس، وبينما كانت الحكومة المصرية تستعد لاعلان الاتفاق النهائي حول التهدئة بعد وصول رد حركة حماس على الشروط الاسرائيلية، خرج ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي ليعلن على الملأ بأنه لن يقبل بأي اتفاق حول اعادة فتح المعابر لا يتضمن الافراج عن الجندي الاسرائيلي الاسير موجهاً صفعة للجهود المصرية التي اثمرت عن وضع الاتفاق في صورته النهائية.
الاعتبارات السياسية الاسرائيلية الداخلية باتت تلعب دوراً كبيراً في هذا الصدد، فحزب كاديما الذي يخوض منافسة ضروساً مع غريمه حزب الليكود على تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة يريد ان يحسن شروطه، ويقدم انجازاً ما من خلال الظهور بمظهر القوة والتصلب في موضوع الجندي الاسرائيلي الأسير، حتى لو ادى ذلك الى توتير العلاقات مع الوسيط المصري.
التهدئة غير مرتبطة بموضوع الجندي شليط، والمفاوضات حولها منفصلة كليا عن نظيرتها المتعلقة بملف الجندي الاسير. فالاولى تتعلق بايقاف اطلاق الصواريخ مقابل فتح المعابر، اما الثانية فتتركز حول عدد الاسرى الذين يمكن ان يتم الافراج عنهم مقابل اطلاق سراح الجندي المذكور.
ومن هنا كان الرئيس مبارك محقا في عدم الربط بين المسألتين، ليس لانه منحاز الى وجهة نظر حماس، وانما لانه يدرك جيدا طبيعة سير المفاوضات حول الملفين، وعدم وجود اي ترابط بينهما.
الحكومة الاسرائيلية لا تريد التهدئة، والا لما أفشلت كل اتفاق يتم التوصل اليه لتحقيقها، الامر الذي يؤكد انها هي الطرف الذي اخترق الاتفاقات السابقة بخصوصها، من اجل ايجاد المبررات لشن عدوانها على قطاع غزة، وهو العدوان الذي لم يحقق ايا من اهدافه في تركيع ابناء قطاع غزة، وتغيير المعادلة السياسية على الارض، مثلما وعدت السيدة تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما ووزير الدفاع ايهود باراك.
انه ابتزاز اسرائيلي في ابشع صوره، ابتزاز لحركات المقاومة، مثلما هو ابتزاز للوسيط المصري على وجه الخصوص، ولهذا فإن المطلوب هو التصدي له بصلابة، وعدم الرضوخ له باي شكل من الاشكال.
نتمنى ان يستمر هذا الموقف المصري الرافض للربط بين الملفين، ملف التهدئة، وملف الجندي الاسير، حتى تعود الحكومة الاسرائيلية عن مناوراتها الابتزازية هذه، وان يجد هذا الموقف كل الدعم من حركات المقاومة والحكومات العربية في الوقت نفسه.