المواطنة مجموعة من القيم النبيلة المشتقة من العيش المشترك في هذا الوطن والانتماء له وحبّه وخدمته والتضحية من أجل استقلاله وعزته واستقراره وازدهاره وحفظ أمنه، ومن ثمّ حق الانتفاع والعيش والرفاه والتنقل والسكن والشعور بالأمن على النفس والمال والعرض والفكر والعقيدة والأبناء ومستقبلهم.
ثقافة المواطنة تحتاج إلى إعادة بناء بطريقة علمية تقوم على منهجية سليمة تؤدي إلى بناء الإنسان المواطن بشكلٍ متوازن، يتقدم لديه الإحساس بالواجب والهمّ الوطني، قبل الإحساس بالحقوق الفردية والشعور بالهمّ الذاتي، بشكلٍ أناني قاتل. فالمواطنة ليست مسألة قانونية بحت، وليست حسبة مادية جافة، بل المواطنة روح وانتماء وحب وعشق وتضحية وإخلاص وتفان وجدية في العمل وإتقانه دون شعور بالمنّة ودون حاجة إلى رقابة من أحد، مهما كانت درجته بالمسؤولية؛ لأنّه باختصار شديد يجب أن يكون العمل والجدّ والاجتهاد في خدمة الوطن، لأنه ليس ملكاً لأحد، وليس ملكاً لزعيمٍ أو فئة، ولا ملكاً للحزب الحاكم، بل الوطن يملكنا جميعاً ولا نملكه، والشعب كلّه بجميع مكوناته وأفراده حراس على هذا الوطن، وما دور الزعيم إلاّ وكيل عن هذا الشعب لحراسة الوطن وتنظيم الجهود الجمعية التي تخدمه وتحرسه.
عندما تنقلب الأمور ـ وهي كذلك ـ فقد كانت مقلوبة في معظم أقطار الوطن العربي، حيث تمّ تحويل المواطنين إلى رعايا، وعمال بالسخرة، وانعدمت لديهم ثقافة الحس بملكية الوطن وانعدمت الثقافة الجمعية بالملك المشترك، والإحساس المشترك والعمل المشترك والخدمة المشتركة، والانتفاع المشترك؛ فنتج عن ذلك انعدام الانتماء الحقيقي وانعدام الحب العميق، وجفّت تلك الروح التي تنبت التضحية والود والعشق الأبدي الذي يدفع إلى العمل المتفاني دون الشعور بالحاجة إلى الرقابة الشرطية، فعظم الفساد، وكثر الاعتداء على المال العام، وأصبح الوطن غنيمة، تتنافس عليها الجماعات والفئات والأفراد، والمسؤول وغير المسؤول فضاعت الأوطان عندما ضاعت القيم، وضاعت الثقافة الحقيقية لمفهوم المواطنة الصادقة.
ووصلنا بذلك إلى هذه الحالة المأزومة، فأصبحنا لا نسمع مصطلح المواطنة إلاّ في معرض المطالبة بالحقوق والمطالبة بالحصة المنقوصة والمطالبة بالخبز والمطالبة بالأمن والمطالبة بعدم رفع الأسعار، مع الاحترام والتقدير لأحقيتها.
لا يمكن أن يكون استخدام مصطلح المواطنة بطريقة صحيحة وبمفهومه الحقيقي، إلاّ إذا تمّ تغيير الأوضاع برمّتها، بحيث يصبح الشعب صاحب السلطة المطلقة، وصاحب السيادة المطلقة التي تمكنه من اختيار الحكام ومراقبتهم ومحاسبتهم واستبدالهم عن طريق التداول السلمي للسلطة، وتكون وظيفة الحاكم حارساً على مقدرات الأمة وحارساً على ممتلكات الشعب؛ عندها سيكون كل مواطن خفيراً على المال العام وحارساً أميناً على مقدرات الدولة، وجندياً عاملاً من أجل ازدهار هذا الوطن وتنميته وحراسة حدوده، وعند ذلك فقط يقل اللصوص وقطاع الطرق ويصان المال العام من العبث والسطو بهيبة القانون وثقافة المواطنة الحقة.
العرب اليوم