لو عكسنا الاستراتيجيات العشر لخداع الجماهير كما يراها الكاتب الامريكي نعوم تشومسكي على واقعنا الإعلامي لوجدنا تناغماً كاملاً بين هذه الاستراتيجيات وما يفعله الكثير من الساسة لدينا من خلال وسائل الإعلام أو من خلال القرارات التي يعكسها لنا الإعلام من قبلهم.
هذه الاستراتيجيات تتمثل فيما سمّاها الكاتب استراتيجيات الإلهاء وخلق المشاكل والمراحل ومخاطبة الرأي العام كأطفال والتقهقر واللجوء للعاطفة بدل التفكير وتشجيع الجمهور على استساغة البلادة وتعويض الانتفاضة بالشعور بالذنب، ومعرفة الأفراد اكثر مما يعرفون أنفسهم واستراتيجية التدرج.
فإعلامنا عادة هو انعكاس لسياسات واستراتيجيات تستخدمها الحكومة للتعامل مع الشعب، وتقوم الحكومات بما لديها من قدرات باستخدام هذه الاستراتيجيات، فمثلا قد تعلن الحكومة عن نيتها رفع الاسعار لإلهاء الشعب بهذه القضية ليصرف نظره مثلا عما يطالب به من محاسبة الفاسدين، وتقوم باعطاء حيز اعلامي واسع لبعض قضايا العنف، وقد يتم ابتكار مثل هذه النوعية من القضايا لينشغل الناس بها.. واعتقد ان أدل شيء على ذلك وضع من يسمون بالموالاة في مواجهة المعارضين.
كما تقوم الحكومات بالتركيز على الامن والامان وتخويف الناس من الاحتجاجات على اعتبار انها ستؤدي في النهاية الى فقدان الامن للمواطن ولو كان ذلك على حساب أمنه الاقتصادي وكذلك تخويف الناس من زيادة تردي الاوضاع الاقتصادية لجعل الناس يقبلون بالقرارات التي تنوي تطبيقها.. ومثل هذه القرارات تكون في النهاية لخدمة اغراض طبقات معينة على حساب الطبقات الفقيرة.
وتعمل الحكومات على اقناع الناس بالواقع الموجود على اعتبار انه افضل من غيره مع ان مثل هذا الواقع يتجه من سيئ الى أسوأ ولن يكون افضل حالاً في اليوم التالي من اليوم الذي سبقه في حين ان الطبقات الغنية هي من يستفيد من قرارات تسهم في زيادة معاناة الناس، فغالبا لا نجد ان مثل هذه القرارات تحسن من واقع الشعب، بل بالعكس فان تطبيقها يسهم في زيادة المعاناة وزيادة الرفاه لتلك الطبقات.
يقوم الإعلام ومِن ورائه الحكومة بتعزيز مفهوم مفاده ان مواقع المسؤولية الموجودة او المتوارثة في الحكومات لا بديل عنها، فعند التغيير والتعديل لهؤلاء المسؤولين فان ذلك يتم بينها بالتناوب وتنتشر الاشاعات الداعمة لمثل هذه القيادات على اعتبار انها الأفضل، وهي الأحق بالقيادة.. فمثلا يقال هل نستورد قيادات ومن هم الأفضل، وكأن هناك أمهاتٍ تلد قياداتٍ وأمهاتٍ تلد شعباً.
هذا جزءٌ من الرؤية التي قد نعكسها من خلال استراتيجيات نعوم تشومسكي على واقعنا، وقد نضيف ان الثورات العربية الاخيرة في منطقتنا ولدت احباطاتٍ لدى الاغلبية الصامتة واستغلتها الحكومة في حين ان من يقومون بالاحتجاجات لدينا ليس لديهم القدرة على مواجهة هذا الزخم من الرد المعاكس لهم مع ان التغيير افضل من الماء الراكد في البرك الآسنة.
ان المواجهة الحقيقية للحملات الإعلامية المنطلقة من الاستراتيجيات التي حددها تشومسكي تتمثل في التنظيم والقيادة الحسنة والإعداد لحركات الاحتجاجات، ويكون ذلك متزامناً مع بعضه البعض، فالتنظيم هو اساس العمل ومن دونه لن ينجز العمل.. فالاحتجاجات المنظمة هي من تؤتي أوكلها.