لو صدقت النيات لتم تأجيل إعلان بطلان القانون إلى ما بعد جلسة الثقة .
عادت لعبة المصالح بين الحكومة ومجلس النواب وهي اللعبة نفسها التي باتت مكشوفة مع كل حكومة , فالطرف الاقوى وهو مجلس النواب يحرج ويبتز الحكومات التي تحاول ان تحوز على رضاه.
القصة بدأت عندما عقد مجلسا الاعيان والنواب اجتماعا مشتركا في الرابع والعشرين من الشهر الماضي وحسمت الاغلبية مصير القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 القانون المعدل للتقاعد المدني الذي وضعته حكومة سمير الرفاعي من اجل الغاء منح النواب والاعيان تقاعدا مدنيا مدى الحياة.
طبعا النواب منذ انتخابهم لم يرضهم الامر, ورفضوا القانون المؤقت طمعا في العودة الى رواتبهم التقاعدية لكن مجلس الاعيان لم يوافق ووضع صيغة وسطية تمنح التقاعد لمن لديه عشر سنوات خدمة وهو حل لم يرض النواب واستمروا في رفضهم الى ان حسمت الجلسة المشتركة الامر.
وهذا القرار أثار سخرية ونقد الرأي العام الاردني للنواب واطلقت المناشدات لجلالة الملك بان لا يصادق على قرار مجلس الامة , لكن الحكومة سارت في الخطوة الاولى وبسرعة متناهية, لان عينها على جلسة طلب الثقة من مجلس النواب الاحد المقبل.
وهنا جاءت المصالح المشتركة مع النواب (جوازات سفر دبلوماسية وتقاعد مدى الحياة) , فالحكومة تريد ان تقدم “طعما” للنواب من اجل كسب ثقتهم لا سيما انها مقبلة على اتخاذ خطوات غير شعبية تتمثل في تخفيض دعم بعض السلع وفرض ضرائب اخرى ورفع اسعار الكهرباء وغيرها, واذا لم تتعامل بالمثل الشعبي “طعمي الثم تستحي العين” فان الحكومة لن تمر من امتحان الثقة او امتحان الاسعار او حتى قانون الانتخاب.
لقد حذرنا دوما من إعادة بناء شبكة المصالح الذاتية النيابية الحكومية المشتركة , لان اعادة نسجها تعني الاضرار بالمصالح الشعبية لان مجلس النواب سيضطر الى التغاضي عن دوره الرقابي الحقيقي من اجل تمرير مصالح اعضائه.
نعرف ان الحكومة ملزمة باعلان بطلان القانون بعد رفضه من مجلس الامة , لكنها تسرعت في ذلك, وكان بالامكان تأجيله الى ما بعد الثقة , لو صدقت النيات.
فالحكومة التي تبحث لتوفير الاف الدنانير من هذه الجهة او تلك , اهدرت بجرة قلم الملايين لانها اعطت النواب والاعيان تقاعدا مدنيا مدى الحياة وزادت حصة النواب والاعيان السابقين, وهي بذلك لم تهدر الاموال وتزيد العجز بل اعتدت على حقوق الموظفين الاردنيين الذي هم الوقود الاساسي للتقاعد المدني لانهم يدفعونه شهريا من جيوبهم.
حل قضية التقاعد المدني للنواب والاعيان لن يصبح واقعا ما دام الوزراء انفسهم يحصلون على تلك الرواتب التقاعدية مدى الحياة, لكن بامكان مجلس الامة والحكومة ان يفكرا بطريقة اخرى لتوفير اموال التقاعد المدني من خلال اخضاع مدة خدمة النواب والاعيان والوزراء لقانون الضمان الاجتماعي للمشتركين فيه واخضاع المشتركين في التقاعد المدني والعسكري للاقتطاع الشهري وبذلك تنتهي المشكلة, فمن النادر ان تجد نائبا او عينا غير خاضع للضمان الاجتماعي او التقاعد المدني او العسكري, ومن لم يكن خاضعا يمكن ان نجد له حلا.
قرار الحكومة سيرفع الى جلالة الملك للتصديق عليه وهو الامل والملجأ الاخير للاردنيين, ونأمل من جلالته عدم التوقيع عليه وإعادته الى مجلس النواب المقبل.
العرب اليوم