بعد ان طوى مجلس النواب ملفات فساد كبرى من خلال التصويت على عدم احالتها الى النيابة العامة الذي يعني ضمنا تبرئة المتهمين بها من رتبة وزير فأعلى, يسود انطباع عام بان العديد من القضايا التي يمكن ان تكون صغرى قياسا على غيرها وتطال الشبهات فيها من هم دون المرتبة الوزارية, ستدخل في اطار مساومات متعددة المسارب من اجل التوصل بها الى تسويات ومصالحات تبيض صفحات بعض الفاسدين, اذا ما تنازلوا عن نسبة ولو ضئيلة من الاموال التي الت اليهم عن طريق غير مشروع, ليتخلصوا من الاوزار التي لحقت بهم امام الرأي العام وقد تعرضهم الى عقوبات قاسية في ساحات المحاكم.
اثارت تصريحات رئيس هيئة مكافحة الفساد قبل ايام ردود فعل متباينة ودفاعا عنيفا حينما جاهر بان مسار التحقيق في القضايا التي جرى تحويلها الى مجلس النواب عبر لجان التحقيقات النيابية قد تحول الى محامي الدفاع في القضية دون البحث عن الحقائق المتعلقة بها, وهذا ما يشير الى ان الهيئة ربما تكون اكثر قدرة في الاجراءات التحقيقية لان القانون يخولها منع الشهود من السفر واستدعاءهم وضبط الاموال وما الى ذلك من صلاحيات قانونية مكنتها من فتح الكثير من الملفات التي لم تكن سهلة وعرضتها الى حملة من الاتهامات بالانتقائية وغيرها.
اذا ما عدنا الى ما يشاع عن عقد صفقات مصالحة مع بعض المتهمين في قضايا الفساد واسترداد نسبة من الاموال التي ثبت انهم قد سطوا عليها اثناء توليهم المسؤولية في عدد من المواقع الرسمية المهمة, فان هيئة مكافحة الفساد تشدد على انها ليست مكانا لاجراء المصالحات في القضايا المعروضة عليها والتي وصلت خلال الثلث الاول من العام الحالي وحده حوالي مئة وعشرين قضية من اصل الملف التراكمي الذي زاد على الف وثلاثمئة قضية, وان المكان القانوني لاجراء مثل هذه المصالحات او التسويات هو في اروقة المحاكم والقرارات القضائية.
لكن التعديلات الاخيرة على قانون هيئة مكافحة الفساد التي استكملت مراحلها الدستورية مع مطلع شهر نيسان الماضي, قد نصت على منح الهيئة صلاحية انشاء حساب امانات لدى البنك المركزي يسمى “حساب امانات التسويات والمصالحات” يخصص لحفظ الاموال والمنافع المتحصلة من افعال الفساد التي تم استردادها او الحجز عليها لحين تسليمها الى مستحقيها, كما ان الهيئة ذاتها كانت قد استردت مبلغا اجماليا مقداره ستة عشر مليون دينار من اموال الخزينة في القضايا التي تحقق فيها, وان من بين هذا المبلغ ما قيمته ثمانية ملايين دينار من شخص واحد في قضية واحدة, في حين استردت مبلغ سبعمئة وخمسين الف دينار من احدى شركات التأمين ومبلغا يصل الى ستة ملايين ومئتي الف دينار كأثمان اراض لصالح الخزينة العامة.
يبدو ان هنالك جهات كثيرة تدفع في اتجاه التسويات والمصالحات في قضايا الفساد على حساب الاحكام القضائية, على الرغم من ان الكثير من الممارسات والقرارات التي تم اتخاذها بشأن بعضها قد اضرت بالجهود التي تواصلت خلال السنوات الاخيرة من اجل كشف مدى فداحة هذه الافة التي تعاظمت على نحو غير معهود من قبل, وهذا ما يسيء الى مصداقية الاردن بين دول العالم وربما يؤثر سلبا على مؤشر مدركات الفساد للعام الحالي 2012م بعد ان حقق العام الماضي تراجعا ملموسا, مما يعرض حقوق الوطن والمواطنين الى الضياع في تسهيلات للفاسدين يمكن اعتبارها خارج الاطار القانوني.
العرب اليوم