حارث عواد – السبيل
الاستخفاف ليس وليد اللحظة، فقد مارسه قوم كثر من قبل ومن بعد
.لكن الغريب أن يستمر البعض فيه ويصر على الاستخفاف بعقول الناس بغض النظر عن تطورات المرحلة، ولا يريد الفهم أن طبيعة المرحلة قد تغيرت، وأنَّ لا أحد الآن يقبل باستخفافه من قِبَل أيٍّ كان.
عندما حاولت حكومة عون الخصاونة رفع تعرفة الكهرباء انبرى وزراؤها للدفاع عن القرار، وحجتهم فيها أن الرفع لن يمس الفقراء والطبقة الوسطى! في محاولة للاستخفاف بعقول الناس، وكأن رفع التعرفة على الصناعيين والتجاريين لن ينعكس على المواطنين البتة!
وفي مثال آخر على الاستخفاف، عندما تم رفع أجور النقل العام منذ شهرين، قالت هيئة تنظيم قطاع النقل العام “إن نسبة الرفع -على الرغم من تصاعد أسعار النفط عالميا- لن تتجاوز الـ 6 بالمئة؛ تقديرا لظروف المواطنين الصعبة”.
لكن ما جرى على أرض الواقع هو أن أجور النقل ارتفعت بنسبة لا تقل عن 10 بالمئة، فقد تم رفع أجور النقل على خط (ياجوز- صويلح) من 45 قرشا إلى 47 قرشا؛ ما يعني بأن “كنترول” الباص ولا حتى الركاب لن يستطيعوا تدبير “الفراطة” يوميا، فأصبحت الأجرة بسبب عدم توفر الفكة 50 قرشا، محسوبة صح!!.
الأمثلة على الاستخفاف لا تنتهي، فقد أطل وزير تموين الـ89، دولة الرئيس فايز الطراونة يبشرنا بقرارات اقتصادية صعبة دفعتنا الظروف الاستثنائية التي نمر بها لاتخاذها، وجمع حوله “علية القوم” من الصحفيين وبعض الكتاب علهم يقدروا الظرف الراهن وطبيعة المرحلة التي يجب أن نتحملها جميعا، وكأننا شاركنا أو ساهمنا من قريب أو من بعيد في وصول البلد إلى هذه الظروف.
الرئيس الطراونة كشف – لمن حوله من الكتاب ورؤساء التحرير علهم ينذروا قومهم إذا رجعوا- أن الحكومة ستضطر لرفع أسعار البنزين والكهرباء، وبعض السلع والمواد الأساسية؛ لمواجهة الظرف الراهن وللتخفيف من عجز الموازنة المتوقع أن يصل إلى 2 مليار دينار بعد المساعدات الخارجية.
الغريب في الموضوع أن دولة الرئيس أسرّ للمجتمعين أن رفع كل تلك المواد والسلع سيكون بسيطا، بحيث سيقلص عجز الموازنة بنسبة 5 في المئة فقط!! يعني توفير حوالي 100 مليون دينار.
دولة الرئيس لا يريد أن يصرح للناس أن الرفع كان استجابة صارخة لشروط الصناديق الدولية المانحة على حساب المواطنين، وليس مسألة توفير 100 مليون من هنا أو هناك.
ولم يبالِ بمصادرة قراره السياسي من قبل الجهات المانحة، ألا يعلم دولة الرئيس أن ضبط الهدر في الموازنة العامة من شأنه أن يوفر للبلد أكثر من مليار دينار سنويا، يمكن أن تغنيه عن اتخاذ أي قرار يمس قوت المواطنين.
هو يعلم ذلك، لكنه تحت وطأة وضغوط الجهات المانحة لا يستطع سوى الانصياع لشروطهم وإملاءاتهم، واختراق جيوب المواطنين.