يبدو ان الحكومة اصبحت قاب قوسين او ادنى من اتخاذ قرار برفع اسعار الكهرباء, ورفع اسعار الوقود, بعد ان اطمأنت قليلا الى انخفاض زخم الحراك الشعبي, الذي استطاع ان يحول دون اتخاذ هذا القرار لمدة عام ونيف, واعتماداً على قراءة خاطئة للمشهد المحلي وتقدير غير موضوعي للنتائج المترتبة على هذا القرار, ولكن لا بد مما ليس منه بد.
صيف الاردنيين هذا العام سوف يكون ساخناً وملتهباً, وربما يكون جافّاً ايضاً, ومعرضاً للمفاجآت في ظل انعدام المبادرات من جميع الاطراف الرسمية وغير الرسمية, ولان قدرة الشعب على الاحتمال اصبحت اقل درجة منها في الاعوام السابقة, خاصة اذا امتزج ذلك بقدر كبير من الاحباط نتيجة عدم تحقيق قدر معقول من الاصلاح المرضي الذي يشعر المواطنون معه بالفارق بين مرحلة ومرحلة, وعندما يجتمع التأزم السياسي مع الازمة الاقتصادية فهو ايذان بالخطر.
الشعب الاردني صبور ويملك مقدرة كبيرة على تحمل الالم, وهم يدركون تماماً دقة المرحلة, ويدركون العواقب, لكنهم انتظروا طويلا وطويلا جداً على مخطط الخصخصة وبرنامج اللبرلة, والمستثمر الاجنبي والشريك الاستراتيجي, وكانوا يعلمون جيداً ان الشعور بالثمرة يحتاج الى وقت. ولكن نفد الوقت, وتآكل الدخل وزادت شريحة الفقر وارتفعت ارقام البطالة, وزادت المديونية وعظم العجز في الموازنة, وتضاءل الانتاج, وتراجعت قيمه الحقيقية, وانخفضت ارقام النمو اذا لم تنعدم.
أدرك الشعب الاردني ان الحكومات المتعاقبة لا تملك رؤية استراتيجية ولا برنامجاً بعيد المدى لحل المشكلة, ودائماً في كل مرة كان ينحصر عملها في خيار واحد فقط وهو الاعتماد والاتكاء على جيب المواطن الغلبان, فخلال سنوات طوال شهدنا ما يقارب مجيء عشر حكومات, لم تحل مشكلة مصادر الطاقة, ولم تحل مشكلة المواصلات, ولم تستطع الاستثمار في الصخر الزيتي, ولم تستطع الاستثمار في الطاقة الشمسية او طاقة الرياح ولم تحل مشكلة المياه ولا الغاز..
ولذلك اصبح الافق امام المواطن الاردني قاتماً, يخلو من التفاؤل بقدرة الحكومات على تقديم اي حل ابداعي للازمة الاقتصادية المستفحلة سوى اللجوء الى رفع الاسعار, والمشكلة ان رفع اسعار الكهرباء والوقود, سوف يؤدي الى قفزات هائلة في رفع الاسعار الاخرى, التموينية والخدماتية, في ظل دخل متدنٍ ومتآكل للغالبية العظمى من المواطنين.
لا احد يملك الحل السحري, ولا احد يدعي ذلك, لكن الخطوة الاولى للسير في طريق الحل, ان يتم اشراك الشعب في تحمل المسؤولية, وإشراكه في التفكير وفي الاختيار وفي المراقبة وفي المحاسبة بطريقة سليمة وفاعلة, بحيث يشعر بالاطمئنان بوقف طاحونة الفساد, التي تطحن كل امل بالتقدم الفعلي نحو الاصلاح.