وجوه متعددة للفاشية

يعيش العالم في هذه الأيام ذكرى الحرب على الفاشية، دون أن يلفت النظر إلى التكوين الجديد للفاشية الجديدة وأسلوبها. من يستعملون تعبير “المسيحيون الصهاينة” كأنما يريدون إثبات وجهها الفاشي. لكن هذا العالم “المتحضر” لم يقدم ولا مرة واحدة على إذاعة مكنون ما بعد سقوط الفاشية في الحرب العالمية الثانية إلى صعود فاشية جديدة بعد هذا التاريخ، يقدم نموذجا حيا لها، بل يبزها في أكثر من موقع، ودلالتها الصهيونية الممثلة بإسرائيل، إضافة إلى التحدي الفاشي الذي مارسته وتمارسه الولايات المتحدة على بعض دول العالم، ثم على أكثره بالضفط السياسي.
هتلر وموسوليني مثلا، هما برأي المتفقين من كافة أنحاء العالم الوجه الحقيقي للفاشية، كونهما استثمرا في لعبة الحرب على العالم مبادئ القتل والسحق والحرق والاحتلال وما شابه. لكن أوروبا الحالية ليست هي ابنة التاريخ الطويل الذي عاشته حرة كما تدعي، فهي التي عانت من فاشييها الداخليين سنوات طوالا، ثم جاءتها الحرب العالمية الأولى والثانية لتحدث في شعوبها ما يشبه الانتقام والردع. ثم إن أوروبا هذه المتحضرة، اشتركت هي الأخرى في ممارسة فاشيتها على معظم العالم حين جاءت إلى الشرق في حروبها الصليبية وعملت فيه تقتيلا وتدميرا، وبعدها مارست أبشع الوسائل ضد أبناء مستعمراتها خارج حدودها، وقامت أيضا بتأسيس أبشع ألعابها الفاشية حين قسمت العالم العربي بين سايكس وبيكو وحين زرعت إسرائيل وحين قتلت من الجزائريين أكثر من مليون …
لا تنطبق الفاشية على هتلر وموسوليني وحدهما، أو أنهما الوجه المرادف لتلك الكلمة التي ما أن تلفظ حتى تذهب الأبصار باتجاه الاسمين المشار إليهما، بل إن عناوينها اليوم تكاد لا تخبو منذ سقوط الرجلين، ثم تتوسع لتصبح الأرض ومن وما عليها. الاستيلاء على أرزاق الغير من خيرات باطن أرضه فاشي، ممارسة الضغوط المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية فاشي بامتياز، احتلال البلاد من أبرز وجوهها، عدم إنصاف العدالة في إخراج شعب من أرضه وعدم تمكينه من العودة إليها أبشع وجوهها .. ثمة وجوه كثيرة لتلك الفاشية التي لم تغب وقد لا تغيب طالما أن هندستها ظاهرة منذ زمن بعيد، قبل هتلر وموسوليني، وبعدهما، إنه نوع النظام الذي تعني صفاته معناها الحقيقي.
الاحتفالات التي تعم بالانتصار على الفاشية من حق الشعوب التي تأملت تاريخيا ودفعت الأثمان الباهظة كالشعب الروسي مثلا الذي ذهب ضحية دفاعه عن أرضه أكثر من عشرين مليونا فيما أكد فيدل كاسترو أنها تجاوزت 27 مليونا. في الوقت الذي دفع فيه الشعب الألماني ملايينه ومثله الإيطالي. وباختصار فإن الفاشية ما زالت تعيش بحيوية أكثر لأن ثمة من يرعاها وينفذها.