منذ أيام، تحدث الكاتب الأميركي توماس فريدمان، في مقالته قبل الأخيرة في صحيفة “نيويورك تايمز”، عن أنّ “الجيل الجديد من العائلات الحاكمة في المغرب والأردن والإمارات، الذين لديهم الشرعية لتجميع الناس وقيادة التغيير، ربما يكونون أكثر القادة فاعلية في المنطقة حاليا، في وقت لم يتمخض الربيع العربي سوى عن بضعة قادة جدد.
ومن أسباب ذلك أن الانقسامات الطائفية في المنطقة تحول دون ظهور مثل هؤلاء القادة. وفي سياق تكاملي مع هذه الفكرة، قال المحلل البارز سلطان سعود القاسمي في مقالة نشرها على موقع قناة “الجزيرة” الإلكتروني بالإنجليزية، إنه بحلول نهاية العقد المقبل قد تظهر علاقة بين بعض الجمهوريات العربية والغرب بشكل أقوى من تلك العلاقة التي قامت على مدى العقود الماضية بين الملكيات العربية والغرب.
موضوعا الاستقرار الإقليمي والثروة يشهدان تحولات أساسية في منطقتنا؛ إذ صار الاستقرار مفهوما مرتبطا بشكل أقوى بالإصلاح الديمقراطي والحوكمة والشفافية، وغدت مثل هذه المبادئ شروطا أساسية لديمومة الثروات وما تتطلبه من توزيع عادل يشيع تنمية مستقرة ومستدامة.
وإذا استعنا بمقالة القاسمي لوضع هذه المسألة الجوهرية في سياق استراتيجي هادئ، يظهر لنا اليوم أن ليبيا والجزائر والعراق، مثلا، تنطوي على موارد معدنية مهمة، وإذا ما تمكنت هذه الدول من الخروج من مأزقها السياسيّ الراهن فقد تشكّل تحديا للدور المهيمن لملكيات عربية في التعامل مع الأسلحة والمعدات الأميركية والأوروبية.
وصعود الجمهوريات العربية في مجالي الإصلاح السياسي وتوافر الثروات قد يدفع القوى الغربية إلى البدء بشكل بطيء (وتحت ضغط البدائل عن حلفائها التقليديين في المنطقة) إلى تعديل سياساتها الخارجية والاقتراب أكثر من بعض الجمهوريات العربية.
الأنظمة الملكية تحظى بشعبية، وإجراء إصلاحات سياسية واجتماعية وإعلامية يعزز هذه الشعبية، ويعيد تعريف معادلة الدولة والمجتمع والسلطة على أسس أكثر ديمقراطية وديناميكية، بما يجنّبنا الانسدادات السياسية والتوترات الأمنية، وينتج عقدا اجتماعيا بعناوين ومضامين جديدة تضخ مزيدا من الدماء في شرايين الدولة والمجتمع.
إذا صحّت هذه المقاربة، فإن الأردن معنيّ، في سياق تحولات السلطة والثروة في الجمهوريات المجاورة لنا (العراق وسورية)، أن ينتبه بشكل عميق وجدي واستراتيجي إلى مآلات التغيير في سورية أولا، وإلى الصعود الاقتصادي المتوقع للعراق ثانيا؛ إذ ثمة تقديرات بأن يصبح ثاني أكبر مصدّر للنفط بعد السعودية مع نهاية العقد الحالي، وإلى مدى تأثير أي تغيير في سورية على إعادة تعريف العلاقة بين العراق وإيران ثالثا، إذ إن طبيعة العلاقة القائمة على أبعاد طائفية حاليا ليس بمقدورها أن تستمر في ظل احتمالات تغيّر الحال في سورية على المدى المتوسط، وفي ظل النهوض الاقتصادي المتوقع للعراق وما قد يفرضه ذلك، في المحصلة، من انتعاش فرص إعادة القوة إلى مرجعية النجف وتأكيد استقلاليتها أمام محاولات الاستتباع الإيرانية.
هذه العناصر وغيرها تدفع الأردن ودول الخليج إلى ضرورة بناء استراتيجية جديدة تجاه العراق، تقوم على مزيد من التقارب معه وليس الابتعاد عنه أو إقصاؤه، حتى لو كانت التجربة الخليجية للتقارب مع سورية في السنوات الأخيرة غير مشجعة.
وهي تجربة لا بد من الاستفادة منها باتجاه التقارب والتعاون مع العراق وضخ مزيد من الاستثمارات فيه، وليس العكس. ليست هذه إذن وصفة لفكّ التحالف بين العراق وإيران، وينبغي ألا يكون ذلك هو المدخل لاستشراف تحولات السلطة والثروة في الإقليم، بل هي فرصة ومحاولة لخلق مزيد من البدائل والفرص للعراقيين من أجل دعم استقلالية سياساتهم، وانخراطهم الصحي مع جيرانهم، وبوابة ذلك: لغة المصالح، وتحت بند “قانون التدافع”، والبقاء للأصلح والأكثر إقناعا..
وصبراً
الغد