الاصلاح نيوز /
علي ناصر
ملايين اليمنيين ولدوا في ظل حكم الرئيس علي عبدالله صالح، الذي تولى السلطة في 1978 بعد مقتل رئيسين. الآن انتهى رسمياً ذلك العهد المديد الذي شهد قيام الوحدة اليمنية وشهد حروباً وانفجارات دامية. أنهك علي عبدالله صالح حلفاءه وخصومه. معرفته بدقائق التركيبة اليمنية أتاحت لبراعته فرصة تمديد إقامته. فاجأه «الربيع العربي» كما فاجأ الآخرين. رفض. وقاوم. وناور. وأرجأ. وأصيب. وتعافى. وعاد. ثم وجد الكأس بانتظاره وشرب. صار الرئيس رئيساً سابقاً وها هم يعطون القصر والكرسي لمن كان نائبه.
كان علي صالح رئيساً في صنعاء. وكان علي ناصر محمد رئيساً في عدن قبل مغادرتها على دوي أحداث كانون الثاني (يناير) 1986. التقى الرجلان خلال تلك الحقبة وبعدها.
في بيروت التقيت الرئيس علي ناصر محمد وسألته عن الرئيس علي عبدالله صالح وهنا نص الحوار:
> كيف تولى علي عبدالله صالح الرئاسة في الشمال في عام 1978، كيف صار رئيساً، وما هي القوى التي دعمته؟
- أثار علي عبدالله صالح، الذي كان عسكرياً مغموراً، التساؤلات حول كيفية وصوله إلى الرئاسة في الجمهورية العربية اليمنية في حزيران (يونيو) 1978. الحقيقة أن الطبيعة المغامرة للرجل يُمكن أن تفسر الأمر بعض الشيء، فقد أحدث مقتل الرئيس أحمد الغشمي رئيس الجمهورية بحقيبة ملغومة حملها مبعوث من رئيس اليمن الجنوبي، الذي أراد بهذا العمل الانتقام لصديقه إبراهيم الحمدي الذي كان يُعد نفسه لزيارة عدن قبل مقتله بساعات، ردود فعل قوية داخل اليمن وخارجه وترك فراغاً في السلطة في صنعاء أحجم معه كثيرون عن التقدم لملئه، خصوصاً بعد مقتل الغشمي ومن بعده بأيام مقتل الرئيس الجنوبي سالم ربيع علي، ومن قبله الرئيس إبراهيم الحمدي. انبرى علي عبدالله صالح، الذي كان قائد لواء تعز، ثاني أكبر مدن الشمال، لهذه المهمة في توقيت صعب ومعقد. وقال لي إنه بعد مقتل الغشمي اجتمع وكبار ضباط القوات المسلحة وفيهم من هم أعلى منه رتبة بما فيهم رئيس الأركان علي الشيبة ووضع مسدسه على الطاولة وقال لهم إن هناك فراغاً في السلطة وأريد أن أكون الرئيس فمن يوافق فليرفع يده، فرفعوا جميعهم أيديهم بالموافقة ولم يعترض أحد. بعدها حصل علي عبدالله صالح على دعم المؤسسة القبلية، وقال للشيخ عبدالله الأحمر شيخ مشايخ حاشد إنه سيكون رئيساً لمدة أسبوع واحد فقط للانتقام لمقتل الغشمي كما جاء في مذكرات الشيخ الأحمر، وبعدما ضمن موافقة قبيلة حاشد وشيخها الأحمر اتجه إلى الحصول على تأييد قبيلة بكيل فطلب من أحد المشايخ البارزين فيها الشيخ سنان أبو لحوم أن يبايعه على الرئاسة وألح عليه أن يحلف على المصحف وبذلك ضمن تأييد أقوى قبيلتين في الشمال.
ولم تكن موافقة مجلس الشورى، وكان رئيسه حينها القاضي عبدالكريم العرشي الذي تولى الرئاسة موقتاً بعد مقتل الغشمي، إلا الإخراج الرسمي لذلك وإعطاءه الصبغة الشرعية. تستطيع أن تقول إنه بهذا حصل على الدعم المحلي العسكري والقبلي والبرلماني والإقليمي والدولي.
>هل تعتقد أن الأمر كان مجرد صدفة، أو أن الظروف خدمته فاستغلها لمصلحته؟
- هناك من يؤكد أن تولي علي عبدالله صالح الرئاسة في حزيران 1978 لم يكن مجرد صدفة، بل إنه أسس لهذا الأمر قبل ذلك إثر اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في 11 تشرين الأول (أكتوبر) 1977.
مقتل الحمدي
>هناك روايات وتلميحات في شأن مقتل الحمدي؟
- تؤكد رواية موثوق فيها رواها لأحد الأصدقاء رئيس الأركان السابق المرحوم علي الشيبة، الذي عينه الرئيس أحمد الغشمي رئيساً للجنة التحقيق في مقتل الحمدي وضمت رئيس الوزراء عبدالعزيز عبدالغني ومسؤول الأمن محمد خميس ورواها بدوره لي ذلك الصديق، ضلوع الاثنين الغشمي وعلي عبدالله صالح في قتل الرئيس الحمدي. استدرج الحمدي وفق الرواية إلى غداء في منزل أحمد الغشمي حيث تم الإجهاز أولاً على أخيه عبدالله الحمدي قائد لواء العمالقة في منزل مجاور، وجيء بجثته إلى منزل الغشمي، وحين جاء إبراهيم الحمدي ورأى جثة شقيقه المقتول أدرك أنهما قاتلاه طمعاً في السلطة فأعلن أنه يتنازل عنها لهم مقابل الإبقاء على حياته لكن لم ينفعه ذلك، ثم جيء بسائحتين فرنسيتين لاستكمال المسرحية، وتم قتلهما فوق جثتي الحمدي وجثة أخيه لتصوير الأمر وكأنه عملية أخلاقية، لم تنطل على اللجنة هذه المسرحية، فدماء الفرنسيتين كانت لا تزال طرية ودماء الحمدي ودماء أخيه كانت جافة وهذا يدل على أنهما لم يقتلوا في مكان واحد وفي وقت واحد.
تلك هي باختصار قصة وصول علي عبدالله صالح إلى السلطة والرئاسة في الجمهورية العربية اليمنية في 1978 التي استمرت 33 عاماً وأبى التخلي عنها وسفك وأسرته الدماء للاحتفاظ بها رغماً عن إرادة الشعب اليمني وثورة شباب التغيير السلمية ضد نظامه العائلي.
آلية الحكم
>ما هي آلية الحكم التي اعتمدها الرئيس علي عبدالله صالح، وضمنت له البقاء في السلطة كل هذا الوقت؟
- تستطيع القول إن النظام الجمهوري الذي نشأ في الشمال بعد ثورة 26 أيلول (سبتمبر) 1962 لم يبلور مشروع دولة مدنية وتداول سلمي للسلطة. كل الرؤساء الذين جاؤوا بعد انتهاء النظام الإمامي إلى الرئاسة وصلوا عبر المؤسسة العسكرية بصفتها المؤسسة الحاكمة التي قامت بالثورة والبعض سماها «انقلاباً» لكن هذا ليس المهم، أقصد المصطلح، ما عدا رئيساً واحداً هو القاضي عبدالرحمن الأرياني، لكنه جاء أيضاً بانقلاب مدعوم من الجيش والقوى القبلية، وكل الرؤساء الذين حكموا الشمال قبل علي عبدالله صالح خرجوا من السلطة إما بانقلاب عسكري أبيض (السلال والأرياني) أو بالقتل (الحمدي والغشمي) ولم يدم حكمهم سوى فترات قصيرة كان أقصرها فترة حكم الرئيس أحمد الغشمي التي لم تدم سوى لأشهر عدة اغتيل بعدها كما هو معروف بحقيبة ملغومة بينما دام حكم علي عبدالله صالح أطول من الفترة التي حكم فيها اليمن إمامان وأربع رؤساء جمهورية مجتمعين.
نعم، نتيجة لطبيعة التركيبة الاجتماعية في الشمال التي تلعب فيها البنية القبلية القوية والمتماسكة دوراً كبيراً في الحياة السياسية والاجتماعية ينبغي لأي رئيس أو حاكم أن يضمن ولاء القبائل اليمنية الكبيرة والقوية، وتلك المتحالفة معها، وتأييدها… وبما أن حاشد وبكيل هما أكبر قبيلتين في «اليمن الشمالي» فقد ضمن علي عبدالله صالح ولاء معظمها وضمن ركناً مهماً جداً من أركان استمرار أي حاكم في حكم الشمال.
أما الركن الثاني، أو العامل الثاني، فهو المؤسسة العسكرية وهو منها أصلاً وسبق أن أخبرتك كيف حصل على موافقة كبار قادة الجيش ليكون الرئيس بعد مقتل الغشمي، كما أنه ينتمي قبلياً إلى قبيلة «سنحان» التي تنتمي بدورها إلى قبيلة حاشد القوية، وإلى بيت الأحمر مشايخ حاشد… ولهذا كانا يتمازحان أحياناً: فيقول الرئيس: أنا رئيس الشيخ! فيرد الشيخ عبدالله ويقول: وأنا شيخ الرئيس!
وبهذين الجناحين وتحالفهما اعتمد علي عبدالله صالح الآلية التي بنى عليها حكمه الطويل، ولهذا فإن المطلوب اليوم بعد قيام ثورة التغيير هو فك الارتباط بين الدولة والقبيلة والشروع في بناء الدولة المدنية الديموقراطية.
المؤسسات مجرد ديكور
> ولكن ماذا عن مؤسسات الحكم وأقصد البرلمان والحكومة؟
- مجرد ديكور اعتمده علي عبدالله صالح لإضفاء الشرعية على حكمه. السلطة الحقيقية أبقاها في يده. وكما اعترف لي ذات مرة فإنه يدير الدولة بـ «التلفون» وقد تحول مع الوقت إلى الأمر الناهي الوحيد، حتى على مستوى تعيين الموظفين الصغار.
لم تكن لديه في أي يوم من الأيام استراتيجية لبناء دولة عصرية، لا قبل الوحدة ولا بعدها، كل ما انصب عليه اهتمامه هو بناء سلطة مطلقة له ولأسرته.
> قلت إنه اعتمد في حكمه على ولاء المؤسستين العسكرية والقبلية ولكن المعروف أنه لا يوجد ولاء مطلق فكيف استطاع أن يضمن استمرار ولائهما كل هذه السنوات؟
- بالنسبة إلى القبائل، أو شيوخها لم يكن الأمر صعباً. اعتمد لهم موازنات ضخمة، أو مخصصات شهرية لضمان الولاء الدائم، إضافة إلى جعل القبيلة جزءاً من بنية الدولة وتركيبتها خصوصاً في المؤسسة العسكرية، وفتح المجال أمام الجيل الجديد من أبناء شيوخ القبائل للانخراط في النشاط الاقتصادي الخدمي الربحي الأمر الذي تكونت معه لهم مصالح اقتصادية ضخمة
وشكل نظام حكمه مظلة لحماية هذه المصالح. الخوف الحقيقي كان من المؤسسة العسكرية، بخاصة القوات المسلحة، وقد تعاظم هذا الخوف لديه بعد انقلاب الناصريين، الذي سحقه بقوة وقتل أبرز قادته وزج بعضهم في المعتقلات بينما هرب الباقون. ولكي يضمن استمرار ولائهم وضع إخوته وأقرباءه على رأس أبرز الألوية والمؤسسات العسكرية والأمنية ومع هذا…
> ومع هذا ماذا؟
- لم يكن مطمئناً كل الاطمئنان، ظلت لديه على الدوام خشية من المؤسسة العسكرية فأنشأ مؤسساته العسكرية «الخاصة» التي بها يستطيع ضمان بقاء حكمه، أقصد الحرس الجمهوري، الذي وضع نجله أحمد على رأسه، والأمن المركزي الذي يرأسه ابن أخيه يحيى محمد صالح، والقوات الخاصة التي يقودها طارق محمد عبدالله صالح والقوات الجوية التي يقودها أخوه محمد صالح وغيرها من القوات التي تدين له بالولاء وحده ولأسرته. كما أنه أغرق القوات المسلحة في حروب داخلية لإشغالها على الدوام كما حدث في حروبه الستة على الحوثيين في صعدة، وفي زجها في قمع الحراك الجنوبي الشعبي السلمي في الجنوب أو في إلهائها في حروب إرهاب «القاعدة»، وهو صنيعته، لهذا فالجيش الذي شعر بالمهانة عبر زجه في حروب داخلية لا علاقة لها بمهامه الوطنية في الدفاع عن أراضي الدولة وسيادتها، كانت بعض وحداته أول من انشق عن النظام بعد قيام ثورة التغيير السلمية، بخاصة بعد ما حدث من قتل للمتظاهرين السلميين في جمعة الكرامة.
وما تبقى من نظام صالح المتمثل في الأبناء الممسكين بناصية الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة، والأمن المركزي، والأمن القومي هم من يقتلون الثوار وأبناء الشعب في ساحات الحرية والتغيير، ويتشبثون بالسلطة أو ما تبقى منها، وعليهم وعلى الرئيس أن يدركوا أن مغادرة السلطة لا تعني نهاية الحياة بالنسبة لهم.
شعاره: من تحزب خان
> ماذا عن علاقاته بالقوى السياسية الأخرى؟
- على المستوى الرسمي والقانوني والتشريعي، لم يكن النظام في صنعاء يتيح الفرصة لقيام أحزاب سياسية، بل إنه كان يحرم قيامها، وشعاره في ذلك: «من تحزب خان!» لكن على مستوى الواقع كان هناك وجود للقوى والأحزاب السياسية في ساحة الشمال، وهو وجود قديم إذ كان هناك وجود للبعثيين، وللقوميين، والناصريين ولليساريين، ولـ «الإخوان المسلمين»، وغيرها من التيارات. كما أن النظام نفسه أنشأ ما أسماه بـ «المؤتمر الشعبي العام» كنوع من تحالف يضم مجموعات سياسية عدة التقت كلها على «الميثاق» الذي أقره كبرنامج عمل سياسي.
>هل ضم التيارات كافة؟
- لم تكن القوى السياسية كلها على وفاق مع علي عبدالله صالح، الناصريون حاولوا الانقلاب عليه لإنهاء نظام حكمه في عام 1978. وأنشأت القوى الوطنية السياسية فيما بعد تحالفاً بينها فيما سمي بـ «الجبهة الوطنية الديموقراطية» التي اعتمدت الكفاح المسلح خياراً للتخلص من سلطة علي عبدالله صالح وشرعت به في المناطق الوسطى في الجمهورية العربية اليمنية. استعان علي صالح بالتيارات الدينية المتشددة لمحاربة الجبهة عبر اتهامها بأنها شيوعية وأن الحرب عليها حرب على الشيوعية وكان هدفه من هذه العملية إضعاف الطرفين معاً.
>هل تحقق له ذلك؟
- استطاع إلى حد ما إضعاف القوى الوطنية اليسارية التي اقتنعت بعدم جدوى الخيار المسلح في إسقاط النظام وضرورة اعتماد الحوار والحلول السلمية، وفعلاً توقفت الحرب في المنطقة الوسطى، التي كانت مسرحاً لعمليات قتال شرسة بين قوات النظام وقوات الجبهة التي دخل بعض قياداتها أعضاء في اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام. وسمح للجبهة بإصدار صحيفة علنية في صنعاء لكن في المقابل قويت شوكة التيارات الدينية والقوى التقليدية التي أخذ علي صالح يتحالف معها حيناً لضرب خصومه بها، ويعمل على إضعافها وضربها عندما يشعر بخطورتها عليه كما حدث في مصر في عهد الرئيس أنور السادات.
العلاقة مع الإسلاميين
> كيف استفاد علي عبدالله صالح من الإسلاميين؟
- مرت علاقته بالإسلاميين بأطوار عدة. في المرحلة الأولى استفاد علي عبدالله صالح من شباب المعاهد الإسلامية والحركة الإسلامية في جبهات القتال خلال حربه مع الجنوب عام 1979 ولعبوا أدواراً مهمة في مناطق عدة كما يؤكد ذلك الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. أفاد من مشاركة قبيلة حاشد خلال تلك الحرب. كما أفاد من الإسلاميين في حربه ضد الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى.
في مرحلة ما بعد الوحدة طلب علي عبدالله صالح من الشيخ الأحمر، كما جاء في مذكراته، ومن مجموعة الاتجاه الإسلامي في المؤتمر الشعبي العام، أن يكونوا حزباً يكون بمثابة رديف للمؤتمر في مواجهة الحزب الاشتراكي اليمني لعرقلة بعض ما اتفق عليه مع الحزب وتم تأسيس «التجمع اليمني للإصلاح» في حين كان هناك فعلاً تنظيم لـ «الإخوان المسلمين» الذي جعلوه نواة داخلية في التجمع لديه التنظيم الدقيق والنظرة السياسية والأيديولوجية والتربية الفكرية.
ولعب «الإصلاح» و «المؤتمر» دوراً تحالفياً في مواجهة الحزب الاشتراكي والجنوب خلال الفترة الانتقالية، وفيما بعد خلال حرب صيف عام 1994، لكنه بعد ذلك عمل على فك الارتباط مع نظام علي عبدالله صالح وأصبح شريكاً أساسياً في أحزاب «اللقاء المشترك».
عالم ما بعد 11 أيلول
> دعنا ندخل عالم ما بعد الحادي عشر من أيلول 2001، كيف استفاد نظام صالح من الأوضاع العالمية المستجدة على رغم علاقاته الحميمة المعروفة مع صدام حسين؟
- بنى علي عبدالله صالح علاقاته الإقليمية والدولية وحتى تحالفاته الداخلية على النفعية وليس على المبادئ أو تبادل المصالح بل على تحقيق أكبر قدر من المنفعة الذاتية له ولأسرته واستمرار نظامه، وليس طبعاً لمصلحة البلد والشعب.
ولا شك أن الوضع العالمي الجديد الذي نشأ بعد أحداث الحادي عشر من أيلول هيأ له فرصة مؤاتية لتحقيق ما يستطيعه من منفعة شخصية له ولنظامه. وهكذا نراه يقدم نفسه كشريك في مقاومة الإرهاب. ويفيد من هذه الورقة الجديدة لابتزاز جيران اليمن من ناحية والولايات المتحدة التي بنت سياساتها بعد أحداث الحادي عشر من أيلول على مكافحة إرهاب «القاعدة» وموقف الدول والحكومات من هذه المسألة. «من ليس معنا… فهو ضدنا» وهكذا كسب علي عبدالله صالح المزيد من الدعم والأموال من الجيران وأميركا والغرب بدعوى أنه يكافح «القاعدة»، واستخدم ذلك كورقة ابتزاز وتخويف في الوقت نفسه. تستطيع القول باختصار من دون الدخول في التفاصيل وهي كثيرة، أنه ركب الموجة لتحسين صورة نظامه بخاصة بعد موقفه المعروف في تأييد صدام حسين في احتلاله الكويت.
مجلس التعاون العربي
> ما دمنا جئنا على ذكر العراق، ما هي قصة انضمام اليمن (الجمهورية العربية اليمنية) إلى مجلس التعاون العربي… ولماذا لم يصمد وانفرط عقده بسرعة؟
- حمل المجلس بذرة موته منذ البداية فلم يكن بين الدول التي تكوّن منها: (العراق – الأردن – اليمن الشمالي – ومنظمة التحرير الفلسطينية) أي لا تواصل جغرافياً مثلما هو الحال بين دول مجلس التعاون الخليجي، أو المغاربي على سبيل المثال، كما لم يكن بينها تشابه من ناحية الأنظمة السياسية، إذ ضم أنظمة ملكية وجمهورية وحركة تحرر وطنية في الوقت نفسه وخليط كهذا لا يمكن أن يُكتب له النجاح والاستمرارية.
ولهذا كان تشكيله مدعاة للشك منذ البداية إذ رفضت مصر الانضمام إليه حين عرفت الأهداف الحقيقية من وراء تشكيله، أو نوايا صدام حسين الذي كان وراء فكرة تشكيل مجلس التعاون العربي، ما أملى ظهور المجلس ليس تحقيق تعاون عربي مستقبلي بين القوى التي تكون منها سواء لجهة التعاون الإقليمي أو السياسي والاقتصادي أو في موضوع الصراع العربي – الإسرائيلي بل يمكن رؤيته في الأهداف والمرامي الخفية من وراء تشكيله بتلك السرعة التي سرعان ما ظهرت بغزو العراق الكويت.
اقتسام النفط الخليجي
> ألم يفد اليمن من دخوله إلى مجلس التعاون العربي؟
- على العكس لقد أضره أكثر مما أفاده وأضر كثيراً بعلاقاته الإقليمية مع الدول الخليجية، وكذلك بعلاقاته الدولية وربما كان رفض مجلس التعاون الخليجي انضمام اليمن إليه، وهو أمر حاول علي عبدالله صالح كثيراً تحقيقه، أحد الأسباب وليس كلها، والتي جعلته ينضم إلى مجلس التعاون العربي كنوع من رد الفعل، وإذا كنت أعتقد أنه كرجل نفعي قد تلقى أموالاً من صدام حسين، ووعوداً بنفط السعودية حين يتمكن صدام من السيطرة على بعض أراضيها. لكنه بدلاً من ذلك ألحق أضراراً سياسية واقتصادية ليس لها حدود ببلاده، إذ عاد نحو أكثر من مليون ونصف المليون مغترب يمني من السعودية والدول الخليجية ما شكل عبئاً اقتصادياً واجتماعياً هائلاً على نظامه، وفشلت مطامعهما باقتسام نفط الخليج والسعودية.
التوريث
> في رأيك متى نشأت فكرة التوريث لدى علي عبدالله صالح؟
- لا أعلم متى نشأت لديه فكرة التوريث تحديداً. هل كانت فكرة قديمة نشأت ثم كبرت في ذهنه مع الوقت بعدما كبر أولاده أم فكرة جديدة طارئة لكنها استولت على تفكيره حتماً، خصوصاً بعدما كبر نجله أحمد الذي أعده عسكرياً في كل من بريطانيا والأردن، وولاه قيادة الحرس الجمهوري كقوة ضاربة موازية للقوات المسلحة إن لم تكن تتفوق عليها من حيث القوة والتسليح، لكنه قبل ذلك كان أقام نظام حكم عائلياً حيث ولى أشقاءه وأولاد أشقائه وأنجاله أهم مفاصل المؤسسات العسكرية والأمنية. مسألة توريث نجله أحمد ليست إلا تتويجاً للطابع العائلي الذي أضفاه على نظام حكمه كما أشرت أنفاً.
غسان شربل / الحياة