لم نعتد أن نوجه نصائح، خصوصاً أن النصيحة غالباً لا تؤتي أكلها إلا بعد فوات الأوان، حيث ترسخت في أدبياتنا العربية أنها لا تنفع، ولاسيما حين توجه إلى أحمق، أو أرعن، أو متورط.
وعملاً بهذا الاعتياد، لجأنا إلى النأي بالنفس عن أي نصيحة، لكنها اليوم – وإن كنا نشك بجدواها – في زمن النفاق السياسي، لا يمكن التغاضي عنها، بل باتت ملحة أمام صفاقة سياسية غير معهودة.
النصيحة سنقدمها للسيد نبيل العربي مجاناً لوجه الله، دون أن ننتظر مقابلها شيئاً وهي أن يلوذ بالصمت وأن يكف عن الشرح فيما يخص الأزمة في سورية وهذه أكبر خدمة يقدمها فعلاً، بعد أن كثرت ثرثرته وتشعبت في تفاصيل دون جدوى.
نصيحتنا له بالصمت نابعة من إدراكنا العميق بأن أخطاءه القاتلة لم يعد هناك من مجال لإصلاحها، وإعادة النظر بالكثير من مواقفه لم تعد تجدي، بعد أن أحرق مع السعوديين والقطريين آخر المراكب، وتركوا العمل العربي تائهاً في بحر متلاطم الأمواج.
ربما يحتاج السيد العربي إلى ما هو أكثر من النصيحة، ونحن ندرك ذلك، وفي مقدمتها الشفقة على المآل الذي وصل إليه، والدرك الذي قاد العمل العربي من خلاله، لكن النصيحة لها غايتان:
الأولى – لا ننكر – هي لإبراء الذمة.. والثانية كي لا يزداد غرقه في أوحال الأخطاء التي ارتكبها، خصوصاً أن محاولته التملص من تلك الأوحال تزيد من غوصه فيها.
كلما تكلم، نجده يتورط أكثر، وكلما أسهب في الشرح تاه أكثر، وكلما نظّر على السوريين زاد من أخطائه.
معضلة العربي كسواه من العرب الغارقين في الأوهام أنه يستدرك في الوقت الضائع، بل يريد أن يتعاطى مع السوريين بذاكرة مبتورة، وأحياناً قاصرة، وفي بعض الأحيان معطوبة وتعاني من خلل بنيوي واضح وصريح.
السوريون يحفظون عن ظهر قلب كل ما قاله، منذ زيارته اليتيمة إلى دمشق وحتى الآن.. بل يعرفون بالتفاصيل ما دار في كواليس اجتماعاته مع جلسائه القطريين والسعوديين ومع مشغليه الاميركيين والغربيين في الغرف المغلقة وما حضّروه خارجها و بالقرائن !!..
لذلك، تبدو النصيحة له ولغيره أن يصمتوا.. فصمتهم أفضل كثيراً من حديثهم، وابتعادهم أسلم – بما لا يقاس – من اقترابهم، وخيراً فعل بعضهم حين نأى بنفسه وصمت، وخير للبقية أن يقتدوا بذلك.
في تجربة الأشهر الماضية، عشرات الدروس الصعبة والقاسية، وفيها مئات الشواهد على المآتم التي أقاموها للعمل العربي، وكي لا تتكرر التجربة.. ولا تعاد الدروس، وكي لا نستعيد الشواهد، ولا نسترجع المآتم كانت النصيحة بالصمت.
يدرك الجميع أن الأمور وصلت حداً لا عودة عنه «وأن السيل بلغ الزبى» وأن سورية التي أتاحت للجامعة دوراً لم تحلم به، تخلى عنه العربي وقادته الجدد، وهم من بادر إلى نفض أيديهم منها، وهم الذين ارتضوا أن تكون الجامعة أداة وممراً لاستهداف سورية.
يستطيع العربي أن ينظّر ما يشاء، لكن ليس بما يخص سورية، ويستطيع أن يتحدث عما يريد لكن ليبتعد عن سورية.. وإذا ما سمع نصيحتنا فليصمت نهائياً فذاك أفضل له وللعرب.
ما سكتنا عنه في الماضي من الصعب تجاهله بعد الآن.. وصبر السوريين على هرطقاته وأوهامه وتخيلاته نفد.. فلا توغلوا أكثر في نكء الجراح، لا تعيدوا قلب صفحات الماضي.. وانزووا بعيداً عن صفحات الحاضر والمستقبل، حيث لا مكان لكم فيها ولا موضع قدم، منذ زمن بعيد.
فصولكم من أولها نعرفها.. وحتى «السابع» منها لم يغب لحظة عن أذهاننا.. وحتى ما هو بعد السابع أيضاً نلمّ به ولدينا ما يكفي من وثائق وأدلة وقرائن.. لذلك كانت النصيحة أن تصمتوا وهذه المرة مجانية.. ولا نستطيع أن نجزم أنها ستكون كذلك في مرة قادمة؟!!.