الجدل المندلع في مصر حول مصطلح «الرئيس التوافقي» ما يزال يتواصل وينذر بقلب المشهد المصري الراهن, الذي يتميز بالاحتقان والسخونة والتراشق الاعلامي بين المكونات السياسية والحزبية المصرية, وبخاصة بعد «الاتفاق» المثير الذي كشفته صحيفة المصري اليوم قبل يومين حول اجتماعات سرية تعقد «يومياً» بين حزب الحرية والعدالة «الاخواني» واحزاب ليبرالية مع «المجلس العسكري», للاستقرار على رئيس «توافقي» في انتخابات الرئاسة المقرر أن تجري في نهاية ايار الوشيك..
خبر «المصري اليوم» اثار ضجة غير مسبوقة في الساحة السياسية المصرية, وبخاصة ان الاسم الذي تم تداوله بين الذين يلتقون سراً هو الدكتور نبيل العربي أمين عام جامعة الدولة العربية, في ظل انباء (أوردتها الصحيفة) تتحدث عن أن دولاً عربية خليجية طلبت من قيادات بارزة في الاحزاب (الاسلامية!!) دعم العربي, وأنها (تلك الدول) ارجأت مساعداتها المالية لمصر لحين اختيار «العربي» رئيساً للدولة, كما أن دولاً اخرى (بينها أجنبية) تعترض على تولي رئيس ينتمي للتيار الاسلامي..
نحن اذاً أمام مشهد (مصري) غير مسبوق, تبدو فيه مصر «الثورة» وكأنها ساحة للعب الاخرين فيما كانت لاعباً اقليمياً كبرى, مرشحاً للعب دور عالمي كان يتعاظم باستمرار, كلما تمسكت مصر بقرارها الوطني وسيادتها وخصوصاً عروبتها, وهو ما تجلّى بوضوح في الحقبة الناصرية التي بدأت تتعرض لهجمات منسقة بدأها انور السادات في ما عرف بمؤامرة مراكز القوى وانتهت الحال في عهد مبارك بأن تُمسي مصر تابعة للحلف الصهيواميركي الذي أصابته «هزّة» عندما فقد «كنزه الاستراتيجي» ثم ما لبث (الحلف الاميركي الاسرائيلي) ان استعاد زمام المبادرة ووجد في تيارات الاسلام السياسي العربي (وليس المصرية فقط) وخصوصاً «جماعات» الاخوان المسلمين، ضالته، فأنشأ معها حوارات افضت الى تفاهمات, قَبِلَ فيها الاخوان المحافظة على التزامات مصر الدولية (اقرأ الاسرائيلية لان لا مشكلة في غيرها من الاتفاقات الدولية) وكانت صفقة تاريخية, ها هي آخذة في التشكل والبروز مصرياً وتونسياً ومغربياً وليبياً وربما يمنياً وسورياً (في حال نجح السيناريو الجاري تنفيذه) ووجدت اصداءها في الكويت ولم يكن اتفاق فتح وحماس إلاّ بعض نتاج هذه المناخات فلسطينيا.
هي مواسم الصفقات في ظل ربيع عربي لم يلبث ان تحول الى شتاء برداء اسلامي, يُتقن اختلاق المبررات المدعومة بأسانيد دينية ذات تفسيرات يتم تطويعها لخدمة اهداف سياسية, كانوا على الدوام ينكرون على معارضيهم (بل وعلى تلك الانظمة التي كان يدّعون مناوأتها) تفسيراتهم حتى لو استخدموا اللغة ذاتها.
أن يأتي نبيل العربي مرشحا توافقيا من خارج «بورصة» الاسماء التي برزت بعد اشهر معدودات من تنحي مبارك وتسلم المجلس العسكري مهمات رئيس الجمهورية، مثل محمد العوّا وعبدالمنعم ابو الفتوح ومحمد البرادعي (قبل انسحابه) وعمرو موسى وحازم ابو اسماعيل وحمدين صباحي والجنرال احمد شفيق, الذي قال انه استشار المشير طنطاوي قبل اعلان ترشحه وغيرهم، يعني أن الصفقة اخذت في النضوج وان تفاهمات اقليمية ودولية قد بدأت تفرض حضورها (دع عنك ضغوطها الخفية وحنفية الاموال والضخ الاعلامي المكثف والمخيف.
فلماذا العربي بالذات؟
يحسن بالمرء, العودة الى بدايات بزوغ نجم هذا الرجل عندما جيء به وزيراً لخارجية مصر, بعد صفقة قيل أنها تمت لتفادي بروز مرشح آخر غير مصري, اذا واصل المجلس العسكري دعم مرشح مبارك (مصطفى الفقي) قبل سقوطه, وكان أن فاز «العربي» بالاجماع, فيما كانت الاجواء العربية «عابقة» بتصريحات هذا الرجل حول السياسة المصرية الخارجية وسيادة مصر وعروبتها, ورفض حصار اسرائيل لغزة والعمل العربي المشترك, على نحو أشاع الارتياح في استعادة مصر لدورها العربي الذي سُرق منها أو تخلت عنه, في عهدي السادات وخصوصاً مبارك.
اداء العربي في الجامعة معروف تماماً كما في مجلس الامن وكل ما يمكن أن يتابعه المرء من «حراك» لهذا الرجل, الذي يوشك أن يصبح ثمانينياً..
لا داعي اذاً للاستغراب اذا ما بدأت عواصم القرار الدولي (والعربي) بالحديث عن المؤهلات والمهارات و»الحنكة والحكمة» التي يتوفر عليها رئيس مصر القادم.. (التوافقي حتى لا ننسى).. نبيل العربي!!