كان ذلك الحديث في لقاء معه في بدايات حكمه في أوائل الثمانينات عندما كان مغمض العينين متهيبا للمنصب، وأيام كان يقول «الكفن ليس له جيوب» في هذا اللقاء فاجأني بأن هناك عمارة تحت الإنشاء في مدخل ضاحية المعادي – التي كانت لا تزال محتفظة ببعض رونقها – وأنه يريد أن يشتري في تلك العمارة التي تطل على النيل شقة لكل واحد من أبنائه، ولكن المشكلة التي كانت تواجهه آنذاك أنه عرف أن ثمن الشقة الواحدة يصل إلى ربع مليون جنيه وهذا يعني أنه يحتاج ليشتري شقتين إلى نصف مليون جنيه وهو لا يملك ذلك المبلغ. ثم أردف أن كل الذي يملكه من مدخرات نتيجة عمله في الطيران ونتيجة مكافأة نهاية الخدمة عندما ترك القوات المسلحة وعين نائبا لرئيس الجمهورية لا يتجاوز الثلاثمائة ألف جنيه وهو لا يريد أن يشتري شقة لأحد الولدين دون الآخر. واستمعت لهذا الحديث بإعجاب واستعجاب، ثم انسحبت من لساني وقلت: تصور يا سيادة الرئيس أن الحزب الذي ترأسه العضو الفقير فيه لا يملك أقل من عشرة ملايين جنيه – في ذلك الزمان – وأنت يا سيدي لا تملك نصف مليون جنيه.. يا سيدي الرئيس صدقني هذا ليس حزبك.
فصمت غير قليل ثم قال: وماذا أفعل وهذا هو الحال.
وبعد فترة صمت أيضا قلت له: يا سيادة الرئيس إذا أذنت لي هناك خياران اثنان. إما أن تعلن تخليك عن الحزب وتترك رئاسته وتصبح رئيسا لكل المصريين وليس رئيسا للحزب الوطني فقط، والخيار الآخر أن تفكر في إنشاء حزب جديد. إن الأحزاب يا سيادة الرئيس في الأنظمة الديمقراطية هي التي تساند السلطة وتكسبها قوة وجماهيرية، ولكن الأحزاب الحاكمة عندنا – كما هو حال الحزب الوطني – عالة على الحكومة وهي التي تعتمد على السلطة وتستمد وجودها من تأييد السلطة وليس العكس. وهكذا تجد أن الحزب الوطني عالة عليك وعلى مؤسسات الدولة وليس سندا لها.
وأطرق الرئيس، ولست متأكدا إذا كان قد فهم كلامي أم لم يفهمه.
ومرت أيام واتصل بي أحد موظفي الرئاسة يخبرني أن الرئيس يريد أن يراني في موعد حدده.
وكانت مقابلاتي مع الرئيس في ذلك الوقت بعضها ينشر على الصفحات الأولى في الجرائد وبعضها لا تخطر به الرئاسة الصحف، ومن ثم لا ينشر. وكنت من جانبي لا أتحدث عن هذه المقابلات ما لم يطلب مني ذلك.
وذهبت في الموعد المحدد. وعادة كانت مواعيد الرئيس تتم في أوقات مبكرة وفي قصر العروبة. وتلقاني مبارك وعلى وجهه علامات اهتمام واضح، وكأنه يفكر في أمر هام. ولست أذكر إن كان الصديق والزميل العزيز أسامة الباز حاضرا في أول اللقاء أم لم يكن حاضرا، ولكن الذي أذكره جيدا أن الرئيس وأنا – عندما بدأ يتحدث في الموضوع الذي طلبني من أجله – كنا على انفراد.
وأحسست أن الرئيس يريد أن يأخذ رأيي في أمر هام يشغل ذهنه. وكان ذلك صحيحا وكان مرتبطا بحديثنا السابق عن الحزب الوطني وأنه ليس حزبه رغم أنه من الناحية الرسمية هو رئيس الحزب.
بدأ الرئيس حديثه قائلا: لقد فكرت فيما قلته لي آخر مرة وأنا أفكر جديا في إنشاء حزب جديد والخطوة الأولى التي فكرت فيها هي أن أطلب منك أن تعد لي قائمة بخمسين اسما ولا مانع أن يكون بعضهم من الناصريين وبعضهم من العناصر الجيدة في الحزب الوطني. وقال الرئيس: وبعد أن تنتهي من إعداد هذه القائمة نتحدث في الخطوة القادمة.
وأحسست بجسامة المسؤولية. وأحسست أيضا أن الرجل يوليني بعض الثقة رغم تميزه بالحرص الشديد وأنه ليس من السهل أن يضع ثقته في أحد. ولست أدري إذا كان مرجع ذلك إلى تأثير أسامة الباز عليه أم إلى تفكيره وتقديره الشخصي.
واستغرقت أكثر من عشرة أيام وأنا أختار أسماءً ثم أستبعد بعضها وأضيف أسماءً أخرى، ولم يكن الأمر سهلا، فقد كانت الأسماء الصالحة كثيرة ومن اتجاهات عديدة ومن أعمار مختلفة ولم تكن المسؤولية سهلة، وزاد من ثقلها أنني لم أكن في حل أن أتحدث مع أي شخص فيما كلفت به. وأخيرا استقر رأيي على خمسين اسما أعددتها في كشف ثم اتصلت بمكتب الرئيس لكي يحدد لي موعدا.. وقد كان.
وقدمت له كشف الأسماء فأخذ يقرأه بعناية وفي يده قلم يؤشر به. وبعد أن انتهى من قراءته أكثر من مرة وسألني عن بعض الأسماء الواردة، قال لي: أنا موافق على الأسماء جميعا عدا شخص واحد. وتطلعت لأعرف من هو هذا الشخص فإذا به يقول لي: أنا أعترض على الدكتور مراد غالب. وتملكني العجب فأنا أعتقد أن مراد غالب كان من أفضل الأسماء الموجودة في الكشف. وتساءلت: لماذا يا سيادة الرئيس؟ قال: ألا تعرف أنه شيوعي؟ كان مراد غالب من أنجح السفراء المصريين في الاتحاد السوفياتي في وقت كانت علاقتنا بالسوفيات هي أهم علاقاتنا الدولية، وكان بعد ذلك من أنجح وزراء خارجية مصر. وكان وطنيا مصريا مخلصا وكان صديقا لكثير من الماركسيين ولكنه لم يكن ماركسيا ولا شيوعيا.
ولكن هكذا كان تفكير مبارك.
المهم أن مبارك أخذ الأسماء ثم قال لي أنا مسافر في رحلة لزيارة بعض البلاد الأفريقية وعندما أعود نتحدث في هذا الموضوع.
ولم أزد على أن قلت: تحت أمرك يا سيادة الرئيس.
فصمت غير قليل ثم قال: وماذا أفعل وهذا هو الحال.
وبعد فترة صمت أيضا قلت له: يا سيادة الرئيس إذا أذنت لي هناك خياران اثنان. إما أن تعلن تخليك عن الحزب وتترك رئاسته وتصبح رئيسا لكل المصريين وليس رئيسا للحزب الوطني فقط، والخيار الآخر أن تفكر في إنشاء حزب جديد. إن الأحزاب يا سيادة الرئيس في الأنظمة الديمقراطية هي التي تساند السلطة وتكسبها قوة وجماهيرية، ولكن الأحزاب الحاكمة عندنا – كما هو حال الحزب الوطني – عالة على الحكومة وهي التي تعتمد على السلطة وتستمد وجودها من تأييد السلطة وليس العكس. وهكذا تجد أن الحزب الوطني عالة عليك وعلى مؤسسات الدولة وليس سندا لها.
وأطرق الرئيس، ولست متأكدا إذا كان قد فهم كلامي أم لم يفهمه.
ومرت أيام واتصل بي أحد موظفي الرئاسة يخبرني أن الرئيس يريد أن يراني في موعد حدده.
وكانت مقابلاتي مع الرئيس في ذلك الوقت بعضها ينشر على الصفحات الأولى في الجرائد وبعضها لا تخطر به الرئاسة الصحف، ومن ثم لا ينشر. وكنت من جانبي لا أتحدث عن هذه المقابلات ما لم يطلب مني ذلك.
وذهبت في الموعد المحدد. وعادة كانت مواعيد الرئيس تتم في أوقات مبكرة وفي قصر العروبة. وتلقاني مبارك وعلى وجهه علامات اهتمام واضح، وكأنه يفكر في أمر هام. ولست أذكر إن كان الصديق والزميل العزيز أسامة الباز حاضرا في أول اللقاء أم لم يكن حاضرا، ولكن الذي أذكره جيدا أن الرئيس وأنا – عندما بدأ يتحدث في الموضوع الذي طلبني من أجله – كنا على انفراد.
وأحسست أن الرئيس يريد أن يأخذ رأيي في أمر هام يشغل ذهنه. وكان ذلك صحيحا وكان مرتبطا بحديثنا السابق عن الحزب الوطني وأنه ليس حزبه رغم أنه من الناحية الرسمية هو رئيس الحزب.
بدأ الرئيس حديثه قائلا: لقد فكرت فيما قلته لي آخر مرة وأنا أفكر جديا في إنشاء حزب جديد والخطوة الأولى التي فكرت فيها هي أن أطلب منك أن تعد لي قائمة بخمسين اسما ولا مانع أن يكون بعضهم من الناصريين وبعضهم من العناصر الجيدة في الحزب الوطني. وقال الرئيس: وبعد أن تنتهي من إعداد هذه القائمة نتحدث في الخطوة القادمة.
وأحسست بجسامة المسؤولية. وأحسست أيضا أن الرجل يوليني بعض الثقة رغم تميزه بالحرص الشديد وأنه ليس من السهل أن يضع ثقته في أحد. ولست أدري إذا كان مرجع ذلك إلى تأثير أسامة الباز عليه أم إلى تفكيره وتقديره الشخصي.
واستغرقت أكثر من عشرة أيام وأنا أختار أسماءً ثم أستبعد بعضها وأضيف أسماءً أخرى، ولم يكن الأمر سهلا، فقد كانت الأسماء الصالحة كثيرة ومن اتجاهات عديدة ومن أعمار مختلفة ولم تكن المسؤولية سهلة، وزاد من ثقلها أنني لم أكن في حل أن أتحدث مع أي شخص فيما كلفت به. وأخيرا استقر رأيي على خمسين اسما أعددتها في كشف ثم اتصلت بمكتب الرئيس لكي يحدد لي موعدا.. وقد كان.
وقدمت له كشف الأسماء فأخذ يقرأه بعناية وفي يده قلم يؤشر به. وبعد أن انتهى من قراءته أكثر من مرة وسألني عن بعض الأسماء الواردة، قال لي: أنا موافق على الأسماء جميعا عدا شخص واحد. وتطلعت لأعرف من هو هذا الشخص فإذا به يقول لي: أنا أعترض على الدكتور مراد غالب. وتملكني العجب فأنا أعتقد أن مراد غالب كان من أفضل الأسماء الموجودة في الكشف. وتساءلت: لماذا يا سيادة الرئيس؟ قال: ألا تعرف أنه شيوعي؟ كان مراد غالب من أنجح السفراء المصريين في الاتحاد السوفياتي في وقت كانت علاقتنا بالسوفيات هي أهم علاقاتنا الدولية، وكان بعد ذلك من أنجح وزراء خارجية مصر. وكان وطنيا مصريا مخلصا وكان صديقا لكثير من الماركسيين ولكنه لم يكن ماركسيا ولا شيوعيا.
ولكن هكذا كان تفكير مبارك.
المهم أن مبارك أخذ الأسماء ثم قال لي أنا مسافر في رحلة لزيارة بعض البلاد الأفريقية وعندما أعود نتحدث في هذا الموضوع.
ولم أزد على أن قلت: تحت أمرك يا سيادة الرئيس.