لا أدري لماذا أهملنا بصورة واضحة، في كل المجتمعات العربية، مقاربة ظاهرة الفساد الاخلاقي، غير مدركين مدى خطورتها، ليس على المجتمعات بشكل مباشر، ولكن حتى على جميع مكوّنات هذه المجتمعات بشكل غير مباشر، خاصة بعد ان غرقت « الدولة العربية» في البحث عن كيفية السيطرة على مقاليد الحكم، فعالجت قضايا الفساد الاداري والمالي، وتناست أن الفساد الاخلاقي هو الأساس الذي تتفرخ منه جميع انواع الفساد في الدولة.
إن حالة الانفلات الاخلاقي التي نرى أنها قد استشرت بصورة ملفتة للنظر، حتى أصبح من الصعب الاحاطة بها، فكيف بمحاولة معالجتها. وإذا ما التفتنا إلى مسألة الفساد المالي وما يترتب عليها من تدمير لجانب هام من جوانب الدولة نجد، بلا شك، أن أول ما فسد في نفوس الفاسدين هو الوازع الاخلاقي مهما سميته دينياً أو تربوياً أو أُسرياً أو تثقيفياً أو قيّمياً. وكذلك الحال إذا ما تحدثنا عن الفساد الاداري وغيره من أنواع الفساد الذي أصبح مصدر قلق وخوف أكيدين يهددان الدولة وينذران بانهيارها.
وإذا ما أردنا إحصاء المخاطر التي يولدها الفساد الأخلاقي، فإن علينا ابتداءً أنْ نحيط بأسباب هذا الفساد، وإذا ما قاربنا ذلك سنجد أن ضعف مؤسسات التربية وأعني بها الأسرة والمدرسة ودور العبادة والجامعة الزمرة ووسائل الاعلام، وضعف الرقابة على الرسائل الثقافية والتثقيفية التي لم تأتنا متسللة من النوافذ، بل أصبحت تدخل علينا من الأبواب التي غدت مشرعة على وسعها، أمام كل ماهبّ ودبّ من عفن الحضارات الخارجية الزائفة وتدهور الأخلاقيات النافقة، فبتنا نرى بين ظهرانينا النطيحة والمتردية والموقوذة وما أكل السبع.كل ذلك والحكومات غائبة او متغيّبة قصداً وعمداً، إما عجزاً وإما خوفاً من أنْ تفتح على نفسها أبواباً هي فاشلة حتماً في إغلاقها أو التعاطي معها.
إن أي مراقب لما تبثه القنوات الفضائية الرخيصة من شذوذ أخلاقي وسقوط قيمي، يدرك عِظَم الخطر، خاصة وأن مقصد معظم هذا التوجيه ومحط اهتمامه هو فئة الشباب التي تمّلكها الاحساس بعدم المسؤولية وعدم الانضباط وعدم الشعور بالواجب تجاه الوطن. وأنت إن رصدت أحد المغنين او المغنيات الذين يتلوون خارجين عن اقل مقضتيات الثقة بالذات أو الأدب أو الخلق فإنك، بالضرورة، ستجد هناك المئات من الشباب العربي يتمايل معهما وقد رهنوا أنفسهم وذواتهم لإرادة هذا المطرب أو تلك المطربة. والأسوأ من ذلك أن كل هؤلاء يدركون أن ما يفعلونه هو مهزلة وأكثر، وأن ما يعتقدونه هو تدمير منهجي لكل مرتكزات شخصياتهم، بل وجودهم كأناس لهم قضايا هم مطالبون بالدفاع عنها، ولهم أوطان وقيم هم مطالبون بحمايتها.
الوضع مخيف ومرعب، والتهاون حياله أكثر خطورة وتهديداً، لذلك لابد من وضع منظومة جادة تسعى نحو حماية أهم ركن من أركان الدولة والمجتمع والوطن، وهذه المنظومة يجب أن تكون تحت إدارة الدولة والأسرة والبنى الاجتماعية والتربوية، وأن يكون التعاون بينها قائم على أساس التنسيق والتفاهم والتناغم، على أن يكون البدء في تطبيقها بشكل دقيق ومتدرج ومتأن خوفاً من ردود الفعل غير المسؤولة، فنتيجة ردود الفعل ستكون ، حتماً، على درجة عالية من الشراسة، لذلك لابد من الانتباه إلى خطر الوقوع بين اضطراب المبالغة وتعظيم الذنب وبين هشاشة المتلقي وضعف قدرته على الانضباط والقبول بالنصح والتوجيه.