تتسارع متوالية الكشف عن مخططات الحملة التهويدية للقدس وما تبقى من أراض الضفة الغربية المزدادة سعاراً. لكأنما تسريباتها ثم من بعد الإعلان الرسمي عنها باتت سياسة تحدٍ مقصودة هدفها انتزاع التسليم بما تفرضه وقائعها وقبولها كقدرٍ لاراد له. لم يمض أكثر من يومين على الكشف عن مخطط لزرع بؤرة استعمارية في قلب أبوديس على أطراف المدينة الشرقية حتى تلاه الإعلان عن قرارات ببناء872 وحدة سكنية مضافة في مستعمرة “هار حوما” في جبل أبوغنيم جنوبها تقطع صلتها ببيت لحم، و180 وحدة في “جفعات زئيف” في الضفة، و69 وحدة في الجولان السوري المحتل، والإيعاز بإصدار أحكام احتلالية “بتشريع” مستعمرات “بروخين وساسانا وريحاليم” وبؤرة تهويدية رابعة بمحاذاة مستعمرة “بيت أيل” شمالي القدس بالقرب من رام الله. هذا كان بالتوازي مع هدم أربعة منازل وإزالة 52 عامود كهرباء في بيت جالا مما أدى الى تعتيمها، للربط بين مستعمرة “هارجيلو” بكتلة ” كفار عتصيون” الاستعمارية الممتدة حتى مدينة الخليل، ذلك بمصادرة أراضٍ مساحتها تمتد لعشرة كيلو مترات مربعة، أي الواقعة فيما بينهما… وكان قد سبق كل هذا، وبما لا يزيد على الأسبوع فحسب، الشروع في هدم مطار قلنديا الواقع ما بين رام لله والقدس بذريعة بناء مدينة صناعية على أرضه…
لعل أكثرهذه القرارات التهويدية حظاً من حيث مالاقاه من صدى لدى الأسلويين الفلسطينيين وبعض عرب “السلام خياراً استراتيجياً وحيداً” هو ما يتعلق بأبوديس، ولدرجة أنه بدا وكأنما قد فاجأهم … لماذا؟! لأن الحي التهويدي المراد غرسه في أحشاء أبوديس اختير له مكان ذا مغزى ألا وهو مقابل مبنى “المجلس التشريعي”، الذي كانت حكومة سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود زمن رئيسها أحمد قريع قد شيَّدته مقراً مستقبلياً لبرلمانها، فيما يفترض أنها عاصمة دولتها العتيدة، تلك التي يفترض أن تمنحها لها “المسيرة التسووية” الأوسلوية، أوالمفترض تسميتها بـ”القدس الفلسطينية”، التي قد يتنازل عنها أويسمح بها الإحتلال. حينها، لمن شاء أن يتذكر، ثارالجدل وكثرت التكهنات والتسريبات حول ماعرف بـ”وثيقة أبومازن- بيلين”، التي تمحورت حول تلك القدس!
الإعلان التهويدي الأخيرالمتعلق بأبي ديس، والتي سبق وأن أقيمت على أراضيها المصادرة تجمُّع “معالي أدوميم”التهويدي، أجهزالآن نهائياً على مالازال باقياً من أوهام “قدس أبوديس” تلك، لذا بدا وكأنما كان مفاجأً لمعشرالتسووين، على الرغم من أنه ليس سوى مخططٍ قديم العهد يرقى إلى أيام أولمرت وجاء الآن فحسب دور تنفيذه ، وهو ليس بمعزلٍ عن ذات الاستراتيجية التهويدية الصهيونية الشاملة لكامل فلسطينً، والتي غدت القدس وباقي الضفة أولويةً راهنهً فيها. حتى الآن عملياً تم تهويد المدينة جغرافياً ويتم الشروع فيه ديموغرافياً بسبلٍ ومخططاتٍ متعددة تسعى لافراغها من أهلها. فمنذ العام 1999 بدأوا في زرع الأحياء اليهودية في قلب الأحياء العربية، والتي بلغت تسعاً… في رأس العامود، الشيخ جرَّاح، جبل المُكبِّر، جبل الزيتون، سلوان…الخ. هذا بالتوازي مع إقامة حزامٍ تهويديٍ ملتفٍ حول المدينة من أربع جهاتها عبر إنشاء التجمُّعات الاستعمارية الكبيرة المحيطة بها، والتي جاء الآن دورسد الثغرات الصغيرة القائمة ما بين حلقاتها الخانقة وفق ما بينَّا بعضه آنفاً…هم عادةً لاتعوزهم الحاجة الى ابتداع الحج والذرائع، فمرة لاقامة حديقةً توراتيةً، وأخرى لإنشاء مدينةٍ صناعيةٍ، أو حفر نفقٍ أومد جسرٍ أوشق طريقٍ إلتفافيةٍ، أولأسبابٍ أمنيةٍ … من ذلك، مثلاً، رفض محكمتهم لدعوى قدمها محامي ورثة مفتي فلسطين الراحل الحاج أمين الحسيني الذي قام مستعمروهم بإحتلال منزله وفندق شيبرد، والذريعة ؟ كانت التأخر في رفع الدعوى !
هذه العربدة التهويدية لا تأتي من فراغ، وتنسجم مع استراتيجية صهيونية وضعت مع بدايات المشروع الصهيوني ولم ولن تتبدل وهى غير خاضعة للمراجعة بالنسبة لهم. إنها ببساطة إفراغ فلسطين من أهلها بشتى الوسائل وإحلال يهودٍ يستقدمون من أربع جهات الكون وإحلالهم محلهم. وفي مثل هذه المرحلة الكارثية فلسطينياً، والمنحطة عربيا، والأكثر تواطؤاً وانحيازاً لهم دولياً، لايجدون ثمة ما يمنعهم من المضي قدما في تطبيقها والتسريع فيه… إتفاقية تصفوية كارثية أسست لمسيرة تنازلات مشينة ومدمَّرة للقضية الفلسطينية، وأعطت الذريعة المنشودة لمن يريدها من عرب الهوان لينفض يده من القضية المركزية للأمة العربية، وسهلت الأمرعلى كل من أدار ظهره لها، وزادت فشجَّعت من لم يعد يخجل من التآمر مع أعداء أمته لتصفيتها. وسلطة بلاسلطة وتحت الإحتلال وتنسِّق أمنياً معه، ويشكِّل وجودها ونهجها غطاءً للمسيرة التهويدية على مدارالعقدين الأوسلويين وغدت مجرد شاهد زور على وقائعها… مثلاً، تأكد الآن صحة التسريبات التي سبق نفيها، إذ قريبا سيعقد لقاء تقرر بين نتنياهو وسلام فياض “للبحث في مستقبل المفاوضات” وتسليم رسالة من ابومازن لنتنياهو بهذا الخصوص… وعربيا، وإسلامياً، الأولون بدوا في حال من نسوا عروس عروبتهم ومن تلاهم كأنما هي لم تعد عندهم أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين…أما دولياً، فإلى جانب من يرعى كيان التهويد ويغطي جرائمه ويعصمه من المساءلة الجنائية ويمنع عنه المحاسبة ويمده بكافة وسائل العربدة والبقاء، ومن يشيح بوجهه ويصم أذنيه حتى لايرى ولايسمع متجاهلاً فعائله، اليكم هذا الخبر: أوقف مكتب المدعي العام للمحكمة الدولية، المعنية بملاحقة من يوصفون في الغرب انتقائياً، أوعند اللزوم، بمجرمي الحرب ومن ضمنهم الموسومون بالمارقين عليه، التحقيق الأولي في جرائم الحرب الإسرائيلية، بناءً على طلب فلسطينيٍ قدم قبل سنتين … لماذا؟! تعلة ذلك، أجملها مكتب هذا المدعي العام بالتالي: ” رأي المحكمة أنه يعود إلى الهيئات الدولية المختصة في الأمم المتحدة البت قانونياً فيما كانت فلسطين دولة أم لا، للنظرفي إمكانية انضمامها إلى إتفاقية روما” …جميع من أتينا على ذكرهم آنفاً هم مشاركون بشكل أو بآخر في الحفلة الإسرائيلية التهويدية!!!