لقد لفت انتباهي ذلك الخبر الذي يعلن عن عزم بعض الجهات الفرنسية إقامة مزاد علني على “أدوات التعذيب” التي كان يستخدمها الفرنسيون في تعذيب المجاهدين الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي في القرن الماضي, إذ ان الشعب الجزائري خاض معركة تحرر طويلة ومرهقة وباهظة الثمن استمرت أكثر من نصف قرن, استخدم الجيش الفرنسي المستعمر كل أساليب القمع وكل أدوات القتل للتغلب على إرادة الشعب الصلبة, التي كانت لها الغلبة في النهاية واستطاعت طرد المستعمر الفرنسي بمهر غالٍ جداً تجاوز المليوني شهيد, وأضعاف هذا العدد من المصابين والجرحى والأسرى والمشردين.
يقول الخبر ان هناك جهة فرنسية مهتمة استطاعت أن تجمع وتحتفظ بما يزيد على (352) آلة كانت تستخدم لقطع الرؤوس والأيدي, والضغط على المناطق الحساسة من اجل نزع الاعترافات, ومن اجل التلذذ السادي لإشباع غريزة القتل لدى المستعمرين, والتمتع بمشاهدة الضحايا وهم يتعذبون بتقطيع أوصالهم, وسحب اظافرهم, وتشويه أجسادهم, وكثير من الخلق مات تحت التعذيب.
لقد انتابتني مشاعر متضادة, وأنا اقرأ هذا الخبر, فمن جهة يكون هذا النشاط وسيلة لكشف صفحة مستورة من صفحات هذه الدول المتحضرة, للشعب الفرنسي والأجيال الجديدة من الشباب الفرنسي, ومن جهة أخرى تذكير للجزائريين والعرب والمسلمين, الذين خاضوا معركة التحرير ضد المستعمرين وما آلت إليه هذه الجهود, ومن قطف ثمرة الجهاد والتضحيات, وفي الوقت نفسه ربما يكون هذا النشاط نوعاً من أنواع التسلية والشعور بالفخر لدى بعضهم الى تلك الدرجة التي تجعل بعض الفرنسيين يعزم على إقامة مزاد علني, يتسابق الفرنسيون لدفع مبالغ هائلة لاقتناء آلة آو أداة تعذيب تذكره بماضي دولته وأمجادها عندما كانت جيوشها تغزو العالم.
اقترح على القيادة الجزائرية أن تشتري هذه الأدوات وهذه الآلات العجيبة, ثم تعمل منها متحفاً في العاصمة الجزائرية, ليكون محلاًً للزيارة والعبرة, وليكون شاهداً على هذا السلوك غير الإنساني والسلوك الإجرامي الذي لم يتوقف عند هدر الكرامة ومصادرة الإرادة, وغصب الخيرات والاستيلاء على المقدرات, وأيما استطاعت الدول المستعمرة أن تحرس التخلف والفرقة والانحطاط, وسرقة الزمن من عمر الجزائريين الذين ما زالوا يعيشون المعاناة من آثار المستعمر الفرنسي.
يتوجب على فرنسا وغيرها من الدول التي مارست الاستعمار البغيض أن تعترف بجريمتها بحق الإنسانية, وان تعتذر للشعب الجزائري وكل الشعوب التي وقعت تحت تأثير الاستعمار, وعليها أن تعيد إليها كل الآثار المسروقة من تحف ومخطوطات ووثائق وعقول وخيرات وخبرات لا تقدر بثمن.
كما يجب على الدول الاستعمارية أن تعوّض هذه الدول التي وقعت تحت الاستعمار بمبالغ مالية مجزية بقدر ما سرقت ونهبت, وبقدر ما خرّبت وألحقت من أضرار مادية ومعنويّة لحقت بهذه الشعوب المنكوبة.