كان هناك مقال آخر بعنوان آخر، ولكن قراءتي لسورة يوسف، في الورد اليومي القرآني جعلتني أغير المقال عنواناً ومحتوى. القرآن الكريم يسميها «أحسن القصص» وقصص القرآن الكريم ليست للتسلية وإنما هي للعبرة «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب» ويقال دائما الحليم من اتعظّ بغيره، والشقي من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، في هذه السورة يتجلى حسد الإخوة في أبشع صوره – تصل بهم حد الإلقاء في البئر، هم يريدون تغييب أخاهم عن وجه أبيهم، وهذا الصراع لا يقف عند الإخوة فقط، بل هو السمة الغالبة التي طغت على مجتمعنا، الكل يريد تغييب الكل حتى ينفرد بالساحة مع صاحب المصلحة، وكما قال القرآن الكريم (يخل لكم وجه أبيكم). ومن الصورة الأخرى صورة البيوتات التي تسمى «راقية» ظلما وزورا وليس فيها من الرقي إلا من رحم ربك إلا مقتنيات مستوردة من لوازم المتعة والحسرة، وهي صورة النسوة التي أردن الاعتراض فجاءت الجلسة الصباحية ليكون الجواب بعد أن قطعّن أيديهن (فذلك الذي لمتننّي فيه) إنها صورة الفساد الذي يطل برأسه – وما دخل الفساد على أمة إلا وأصابها الهلاك (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرّنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) والفساد كالسرطان يبدأ في بقعة ثم ما يلبث أن ينتقل إلى بقية الأرجاء ومقاومته ليست فردية وإنما جماعية، لأن أثره ليس فرديا وإنما يصيب الأمة بكاملها.
ويتبع ذلك – السجن بظلم – وإلقاء التهمة بظلم، والمظلوم عندما تسد في وجهه أبواب الدنيا يلجأ إلى من لا تنام عينه «الله» الذي ينتصر لكل مظلوم من كل ظالم (وعزتي لا يضرنك ولو بعد حين) وعندما تتكشف الحقائق يخرج المظلوم من السجن ليصبح حاكما، ونأتي هنا إلى عنوان المقال (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) .
هذا الشخص الذي كان جانبا جاء دوره الآن لإنقاذ البلاد والعباد فهو الحفيظ الحليم الذي يستطيع تدبير الأمور ويخزن القمح في سنابله وهي طريقة تحفظه من التسوس في وقت لا يوجد فيه صوامع، هذا المسجون هو الذي يشارك في إنقاذ حكم العزيز، والعزيز هنا هو غير الفرعون فهم الهكسوس الذين حكموا مصر في تلك الفترة، فماذا ينفع الاستنساخ والتدوير وإعادة إنتاج النماذج، نحن بحاجة إلى نموذج مشابه لنموذج (يوسف) الحفيظ الحليم في وقت وصلنا فيها إلى حافة الهاوية. ويوم أن قال أحد رؤساء الوزارات السابقين (إن اقتصادنا في غرفة الإنعاش) اضطر إلى التراجع ليقول (إن المريض بدأ يتعافى) وها هو الآن يصاب بنكسة تلو الأخرى ولا ينفع معها المسكنات التي بدلا من أن نلجأ فيها إلى جيب المواطن علينا أن نلجأ إلى باطن الأرض التي فيها الخيرات التي لا زلنا ننظر إليها، حتى إذا قمنا باستغلال ترابنا خسرت شركاتنا، لأنه ليس من يقودها (الحفيظ العليم).