في ظل استمرار الحوارات التي تجريها الحكومة مع ا?طياف السياسية؛ فإن حكومة عون الخصاونة تحاول الوصول إلى نظام انتخابي متوافق عليه من أكبر عدد ممكن من ا?طياف، بل تحاول أن تملك الحجج المنطقية المقنعة للأطراف الرافضة لما تم التوصل إليه.
وبغض النظر عن الحوارات التي تجريها والتي قد لا تكون سوى مرحلة نهائية ?قرار النظام الانتخابي الذي قد صيغ من قبل اللجنة الوزارية، فإن الحكومة تقف أمام عدة سيناريوهات بشأن النظام الانتخابي.
ولهذه السيناريوهات اعتبارات عديدة لدى الحكومة ليست مأخوذة لدى كافة ا?طياف السياسية؛ فهي من ناحية ترغب بإرضاء أكبر عدد من القوى السياسية وإقناعهم بمدى جدية الحكومة با?صلاح، إلا أنه على الطرف ا?خر فإن الحكومة تدرك تماماً أن عملية إحداث أي تغيير في البنى الهيكلية للدولة قد لا يكن بمصلحتها.
أما بالنسبة للإسلاميين؛ فالحكومة تسعى إلى محاولة إرضائهم إلا أنها أيضاً تتخوف من حصولهم على نسبة تفوق 25% من مقاعد مجلس النواب؛ وبالتالي فإن محاولة إقرار أي نظام انتخابي سيكون ضمن شروط تحكم عدم حيازة “الإخوان” لمقاعد تفوق الـ25%.
وبالعودة إلى السيناريوهات المطروحة أمام الحكومة في ضوء هذه الأسس والوقائع؛ فأولى هذه السيناريوهات هو:
نظام التمثيل النسبي: الذي أوصت به لجنة الحوار الوطني وهو مطلب معظم ا?حزاب السياسية؛ وهذا النظام يقوم على اعتماد نظام القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة والقائمة النسبية المفتوحة على مستوى الوطن؛ أي يتاح للناخب اختيار القائمة المفضلة لديه أو المرشح المفضل لديه ضمن القائمة؛ حيث يفوز في هذه الحالة مرشحو القائمة حسب الأصوات الفردية التي حصلوا عليها.
ويعطى الناخب وفق هذا النظام ورقتي اقتراع، واحدة لقائمة المحافظة والأخرى لقائمة الوطن، وبعد أن يدلي الناخب بصوته، يضع كل ورقة في الصندوق المخصص لكل قائمة.
ويتميز نظام القائمة المفتوحة بإعطاء الناخب حرية أكبر في ممارسة خياراته؛ إلا أنه في ذات الوقت يعمل على خلق صراعات وانقسامات داخلية ضمن الحزب الواحد، إضافة إلى صعوبة فوز المرشحات النساء ومرشحي الأقليات؛ كما أن هذا النظام حمل في مضمونه عدة تناقضات وإشكاليات في آلية الاقتراع بحسب ما أقرته لجنة الحوار.
ومن هنا طالبت بعض ا?حزاب بأن تكون القائمة مغلقة وليس مفتوحة؛ حيث أن القائمة المغلقة تعمل علىتسهيل وصول فئات محددة قد يصعب عليهم الفوز بالانتخاب بطريقة أخرى، أي أن اختيار المرشحين يتم اعتماداً على برامجهم وليس اعتماداً على شخوصهم.
ومع هذا فإن القائمة المغلقة أيضاً يشوبها عدد من العيوب؛ حيث أنها لا تمكن الناخبين من تحديد من يمثلهم ضمن القائمة، التي يختارون.
ومع كل هذه الإيضاحات فإن احتمال اعتماد هذا النظام من قبل الحكومة يكاد يكون معدوماً؛ حيث صرحت الحكومة أكثر من مرة بأن هذا النظام تشوبه مغالطات عديدة ولا يصلح اعتماده أو إقراره.
السيناريو الثاني؛ هو اعتماد:
نظام الكتلة: وهو النظام الذي اعتمد في انتخابات عام 1989.
ونظام الكتلة يقوم على انتخاب أكثر من ممثل واحد عن كل دائرة؛ حيث يتمتع الناخبون بعدد من الأصوات يساوي عدد المقاعد التي يتم انتخابها عن دوائرهم.
ويمتاز نظام الكتلة بتمكين الناخبين من اختيار مرشحيهم بحرية أكبر ودون الأخذ بانتمائهم الحزبي، إضافة إلى تقوية الأحزاب الأكثر تماسكاً وتنظيماً؛ فيما تكمن سلبياته بتضخيم عدم التناسبية بين عدد الأصوات وعدد المقاعد، إضافة إلى أنه يحتاج إلى إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية.
وهنا تذهب سنايورهات بأن الحكومة لو قامت على اعتماد هذا النظام فإنها تتجه إلى إجراء بعض التعديلات عليه؛ من خلال اعتماد ( نظام الكتلة بالتصويت المحدود ) أي توحيد الاصوات لجميع الناخبين بغض النظر عن عدد المقاعد لكل دائرة وذلك من أجل التوصل إلى المساواة في قوة الصوت بين جميع المواطنين.
إلا أن الحكومة تتخوف أيضاً من إقرار هذا النظام خوفاً من أن يحقق ا?خوان نسبة تفوق ال 25% من مقاعد مجلس النواب؛ حيث حاز مرشحو الإخوان المسلمين في انتخابات عام 89 على 17% من الأصوات التي ترجمت إلى 25% من المقاعد النيابية.
كما تتخوف الحكومة من زعزعة هيكلية الدوائر التي تعتبر محسومة لبعض العشائر الكبرى؛ وهو ما قد يزعزع الاستقرار في هذه الدوائر من قبل العشائر التي قد تفقد مقاعدها في دوائرها.
وبالتالي، فإن اعتماد هذه السيناريو من قبل الحكومة قد يكن مصحوباً بتدخل مباشر من قبل الحكومة لتجميع المرشحين في قوائم معينة حتى يتم ضمان الحفاظ على مكاسب بعض العشائر التاريخية في بعض الدوائر.
السيناريو الثالث وا?خير؛ هو العودة إلى:
نظام الصوت الواحد: الذي يستخدم في دائرة فردية، يكون بها لكل ناخب صوت واحد لمرشح واحد فقط، حيث يفوز المرشح الذي يحصل على أعلى عدد من أصوات الناخبين.
ويمتاز نظام الصوت الواحد بقوة التمثيل الجغرافي، إضافة إلى أنه بسيط الاستخدام وسهل الفهم، ويمنح الناخبين الناخبين خيارات واضحة ويمكن الناخبين من الاختيار بين أفراد وليس أحزاب.
وبالتالي فإن سلبيات النظام تكمن في استبعاد الأحزاب، وضياع أعداد كبيرة من الأصوات إضافة إلى أنه يسهل العبث بالدوائر الانتخابية لأغراض غير مشروعة.
ومع هذا فإن الحكومة تتدارس عملية العودة إلى نظام الصوت الواحد مع إجراء بعض التحسينات عليه تتمثل في إعطاء الناخب صوتين باعتماد نظام قائم نسبية للوطن مع زيادة عدد مقاعد القائمة، وتحديد الدوائر الانتخابية الفردية 100%.
ويسوق هذا السيناريو بشكل واضح لدى الحكومة؛ حيث أن اعتماد هذا السيناريو يحقق للحكومة جميع أهدافها؛ في الحفاظ على قوة العشائرية في دوائرها الانتخابية، إضافة إلى ضمان عدم تحقيق الاخوان نسبة تفوق 25% من مقاعد مجلس النواب.
وفي ظل انتظارنا للنظام الانتخابي المرتقب علينا أن ندرك تماماً أن الحكومة تحاول إقرار نظام انتخابي بناء على معايير وحسابات معينة لا يمكن استبعادها، وبالتالي أولى خطوات تحقيق ا?صلاح الحقيقي تكمن في محاولة استبعاد أي حسابات مسبقة ?ي قرار حكومي، أي أننا ما زلنا ضمن الخطوات التي تسبق عملية ا?صلاح.