بدأت اللجنة المشتركة المشكلة من اللجنة القانونية ولجنة الحريات العامة وحقوق المواطنين في مجلس النواب مناقشة مشروع قانون الأحزاب السياسية الجديد لسنة ,2012 وذلك تمهيدا لاستكمال إجراءات إقراره الدستورية من مجلس الأمة وتصديق الملك عليه قبل أن يتم نشره في الجريدة الرسمية ودخوله حيز النفاذ. إن أهمية قانون الأحزاب السياسية تأتي من كونه يعد اللبنة الأساسية لتشكيل الحكومة البرلمانية, وذلك من خلال إنشاء الأحزاب السياسية وتشجيعهم على خوض غمار الانتخابات التشريعية للفوز بأكبر عدد ممكن من مقاعد مجلس النواب تمهيدا لتشكيل الحكومة. فمن خلال قراءة قانونية متعمقة لأحكام مشروع القانون نبدي الملاحظات التالية التي نتمنى أن تأخذها اللجنة المشتركة بعين الاعتبار عند مناقشتها أحكام مشروع القانون:
أولا: حق تأليف الأحزاب السياسية وشروط ممارسته
إن الحق في تأليف الأحزاب السياسية والانضمام إليها هو حق دستوري نصت عليه المادة (16/2) من الدستور والتي تعطي الأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سليمة وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور. وعلى الرغم من وجود ذلك النص الدستوري, إلا أن مشروع قانون الأحزاب السياسية في المادة (3/أ) منه قد أعاد التأكيد على الحق الدستوري للأردنيين في تأليف الأحزاب والانتساب إليها وفق أحكام الدستور والقانون, هو ما يشكل تزيدا وتكرارا كعيب من عيوب التشريع. كما أكدت المادة (18) من مشروع القانون الجديد على دستورية تأليف الأحزاب السياسية والانضمام إليها من خلال النص على أنه “لا يجوز التعرض لأي مواطن أو مساءلته أو محاسبته أو المساس بحقوقه الدستورية أو القانونية بسبب انتمائه الحزبي وتعاقب كل جهة تخالف ذلك”.
إن تقرير معاقبة الجهات التي قد تتعرض لأي مواطن أردني وتمس بحقوقه الدستورية والقانونية بسبب انتمائه الحزبي يثير مشاكل في الواقع العملي, خاصة إذا ما كانت إحدى هذه الجهات النيابة العامة أو الأجهزة الأمنية أو المخابرات العامة. فالمبدأ القانوني المستقر عليه هو عدم مساءلة النيابة العامة والأجهزة الأمنية المرتبطة بها عن الأعمال التي تقوم بها أثناء مباشرتها صلاحياتها واختصاصاتها القانونية, فكيف يمكن أن تتم محاسبة هذه الجهات وفق أحكام مشروع القانون الجديد إذا ما تعرضت لمواطن بسبب انتمائه الحزبي?.
كما تضمنت المادة (3/ب) من مشروع القانون الجديد عبارة غامضة ومبهمة, حيث أعطت للحزب الحق في المشاركة في الانتخابات في مختلف المواقع والمستويات. فما المقصود بمختلف المواقع والمستويات في الانتخابات التي يحق للحزب المشاركة فيها?
أما فيما يتعلق بتأسيس الأحزاب السياسية, فقد عالجته المادة (5/أ) من مشروع القانون والتي تنص على أنه يجب أن لا يقل عدد الأعضاء المؤسسين لأي حزب عن مئتين وخمسين شخصاً على أن لا تقل نسبة النساء بينهم عن (10%) من سبع محافظات على الأقل, وأن لا تقل نسبة المؤسسين من كل محافظة عن (5%).
إن ما يسجل لمشروع قانون الأحزاب السياسية الجديد أنه قد خفض عدد مؤسسي الحزب من 500 إلى 250 عضوا, وهو ما يعد تشجيعا للأردنيين على تأسيس الأحزاب السياسية. إلا أن مشروع القانون قد اشترط أن يمثل مؤسسو الحزب في سبع محافظات بدلا من خمس كما كان في القانون القديم وذلك بواقع 5% من كل محافظة, وهو ما يشكل مخالفة صريحة للمادة (16/2) من الدستور والتي تعطي الحق للأردنيين في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية دون أن تشترط تمثيل المحافظات. كما أن مشروع القانون قد اشترط أن لا تقل نسبة النساء عن (10%) من عدد المؤسسين وأن يتم اختيارهم من سبع محافظات مختلفة, بالتالي فهو يكون قد كرس مبدأ الكوتا النسائية في تأليف الأحزاب, وهي الفكرة التي تدور حولها شبهات عدم الدستورية. فإذا كان نظام الكوتا في مجلس النواب أقل إشكالية دستورية كونه يقوم على التمييز الإيجابي بين الرجل والمرأة, فإن اشتراط عدد معين من النساء بين المؤسسين ومن محافظات مختلفة لتأسيس حزب سياسي في الأردن لا ينطوي على تمييز إيجابي للمرأة, وقد يضع عراقيل إجرائية أمام المؤسسين في ممارسة حقهم الدستوري في تأسيس الأحزاب السياسية.
أما فيما يتعلق بالشروط الواجب توافرها في المؤسسين, فقد حددتها المادة (5/ب) من مشروع القانون لتشمل:
1- أن يكون أردنياً منذ عشر سنوات على الأقل.
2- أن يكون قد أكمل الحادية والعشرين من عمره.
3- أن لا يكون محكوماً بجنحة مخلة بالشرف أو الأخلاق والآداب العامة أو بأي جناية, باستثناء الجنايات ذات الصفة السياسية مالم يكن قد اعيد اليه اعتباره.
4- أن يكون متمتعاً بالأهلية المدنية والقانونية الكاملة.
5- أن يكون مقيماً عادة في المملكة.
6- أن لا يكون قاضياً.
7- أن لا يكون عضواً في أي حزب آخر أو أي تنظيم سياسي غير أردني.
8- أن لا يكون من المنتسبين للقوات المسلحة الاردنية أو أي من الأجهزة الأمنية أو الدفاع المدني.
إن من خلال استعراض الشروط السابقة في المؤسسين نبدي الملاحظات التالية:
1- إن المشرع الأردني في قانون الأحزاب السياسية لم يحظر على مؤسس الحزب أن يكون من مزدوجي الجنسية, إذ أنه يسمح لمن يحمل جنسية أجنبية أن يؤسس حزبا وأن ينضم إليه. والمشكلة التي يمكن أن تثار هنا تتمثل في حال ما تم اختيار أحد المؤسسين المزدوجي الجنسية أمينا عاما للحزب, فإنه بالتالي يكون مؤهلا لأن يعين رئيسا للوزراء إذا ما فاز حزبه في الانتخابات البرلمانية, وهو الأمر الذي سيتعارض مع المادة (42) من الدستور التي تحظر تولي منصب الوزارة إلا من قبل أردني لا يحمل جنسية دولة أخرى.
2- إن التمييز الذي نص عليه مشروع القانون بين الأردني الأصيل والأردني المتجنس لغايات تأسيس الأحزاب بأن اشترط أن يكون المؤسس أردنياً منذ عشر سنوات على الأقل هو غير دستوري ولا يقوم على أساس قانوني سليم. فالمادة (16) من الدستور تعطي الحق للأردنيين في تأليف الأحزاب والانضمام إليها دون التمييز بين الأردني الأصيل والمتجنس. كما أن هذا التمييز يخالف المادة (14) من قانون الجنسية الأردني رقم (6) لسنة 1954 والتي وضعت قاعدة عامة مفادها أن الشخص الذي اكتسب الجنسية الاردنية بالتجنس يعد أردنيا من جميع الوجوه, قبل أن تستثني حقوقا ومناصب معينة يحظر على الأردني المتجنس أن يشغلها إلا بعد مضي عشر سنوات على الأقل على اكتسابه الجنسية الأردنية, والتي حددها قانون الجنسية على سبيل الحصر لتشمل تولي المناصب السياسية والدبلوماسية والوظائف العامة التي يحددها مجلس الوزراء أو أن يكون عضوا في مجلس الأمة. كما حرمت المادة السابقة الأردني المتجنس من الترشح للمجالس البلدية والقروية والنقابات المهنية إلا بعد انقضاء خمس سنوات على الأقل على اكتسابها. بالتالي فإن المادة (14) من قانون الجنسية الأردني لا تتضمن أي قيد زمني على الأردني المتجنس ليثبت له الحق في تأسيس أي حزب سياسي, لذا يكون ما اشترطه مشروع القانون من مرور عشر سنوات على المتجنس لتأسيس حزب سياسي مخالف للدستور والقانون.
3- لقد اشترط مشروع القانون على مؤسس الحزب أن يكون قد أكمل سن الحادية والعشرين من عمره, بينما أعطى الحق لكل من أكمل الثامنة عشرة من عمره أن ينتسب إلى أي حزب سياسي بعد تأسيسه. إن التساؤل الذي يثور هنا هو مغزى التمييز بين الأردنيين من حيث الحق في تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها. لقد كان يفترض بمشروع القانون أن يوحد سن الرشد السياسي للأحزاب السياسية فيما يتعلق بتأسيسها والانضمام إليها بثماني عشرة سنة وعدم التمييز فيما بينهما. فكل من حق الانتخاب وحق الانضمام للأحزاب السياسية يعدان أكثر أهمية من حق تأسيس الأحزاب السياسية وقد اشترط القانون لممارستهما سن الثامنة عشرة, بالتالي فمن باب أولى أن يكون حق تأسيس الأحزاب السياسية الأقل أهمية نفس سن الرشد السياسي وليس أكثر.
4- لقد تشدد مشروع القانون حول الأهلية الأدبية للمؤسس عندما حرم كل من حكم عليه بجنحة مخلة بالشرف أو الأخلاق والآداب العامة أو أي جناية من تأسيس الأحزاب وذلك بشكل أكثر تشددا من العضوية في مجلس النواب والأعيان. فقد حظر الدستور على كل من كان محكوما عليه بالسجن مدة تزيد على سنة واحدة في جريمة مخلة بالشرف والأخلاق والأمانة أن يكون عضوا في مجلس الأمة, في حين أن مشروع القانون لم يتضمن حدا أدنى من العقوبات في الجنح لكي يحظر على المحكوم بها من تأسيس الأحزاب السياسية. هذا بالإضافة إلى أن مصطلح الجنايات ذات الصفة السياسية في مشروع القانون غير دقيق ويجب استبداله بمصطلح الجرائم السياسية كما هو منصوص عليه في الدستور.
5- إن شرط أن يكون المؤسس مقيما عادة في المملكة, هو شرط غير واضح لعدم وجود أي معيار دقيق حول مفهوم الإقامة عادة في المملكة.
6- لقد حظر مشروع القانون على القاضي أن يكون من مؤسسي الأحزاب, ونرى أنه يجب أن يمتد هذا الحظر ليشمل الوزراء العاملين لاتحاد الغاية من وراء ذلك.
7- إن الفقرة التي تحظر على منتسبي القوات المسلحة الأردنية أو أي من الأجهزة الأمنية أو الدفاع المدنية أن يقوموا بتأسيس حزب سياسي هي عبارة ناقصة ويجب أن يضاف إليها أفراد المخابرات العامة والأمن العام وقوات الدرك وذلك أسوة بالصيغة الواردة في قانون الانتخاب. كما يجب أن يتضمن مشروع القانون ما يفيد أن مثل هذا الحظر مؤقت ويكون فقط طيلة وجود هؤلاء الأفراد في الخدمة الفعلية.
ثانيا: إجراءات تأسيس الأحزاب السياسية
إن أهم التعديلات التي جاء بها مشروع قانون الأحزاب السياسية الجديد لعام 2012 أنه قد ألغى مرجعية وزارة الداخلية في الموافقة على تأسيس الأحزاب السياسية, حيث أسندها لأول مرة إلى لجنة خاصة تسمى “لجنة شؤون الأحزاب” والتي أعطاها مشروع القانون في المادة (8) منه صلاحية النظر في طلبات تأسيس الأحزاب والموافقة على تأليفها وتشكيلها ومتابعة شؤونها وفق أحكام هذا القانون. إن لجنة شؤون الأحزاب الجديدة يترأسها وزير الداخلية وتضم في عضويتها كل من:
1- رئيس ديوان التشريع والرأي نائباً للرئيس يقوم مقامه عند غيابه.
2- أمين عام وزارة العدل.
3- أمين عام وزارة أخرى يسميه رئيس الوزراء.
4- مفوضين اثنين من الهيئة المستقلة للانتخاب يسميهما رئيسها.
5- المفوض العام لحقوق الإنسان.
إن أبسط ما يمكن قوله عن لجنة شؤون الأحزاب الجديدة أنها ذات طابع حكومي من خلال هيمنة السلطة التنفيذية على تشكيل أعضائها, والذي سيؤثر حتما على القرارات التي ستصدر عنها. فقد كان الأجدر بالمشرع الأردني أن يسند مهمة الإشراف على الأحزاب السياسية إلى هيئة مستقلة استقلالا تاما عن وزارة الداخلية وذلك تنفيذا لمخرجات لجنة الحوار الوطني التي أوصت بضرورة أن تكون تبعية الأحزاب السياسية لهيئة مستقلة وليس لوزارة الداخلية. فلجنة شؤون الأحزاب يترأسها وزير الداخلية وتضم في عضويتها أمين عام وزارة العدل, وأمين عام وزارة أخرى يسميه رئيس الوزراء, ورئيس ديوان التشريع والرأي الذي تعينه الحكومة. أما الأعضاء المستقلون المتبقون في اللجنة من المفوض العام لحقوق الإنسان ومفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب, فلن يغير من حقيقة هيمنة السلطة التنفيذية على اللجنة المشكلة, خاصة أن قرارات اللجنة تصدر حسب المادة (8/ج) من مشروع القانون بأغلبية أربعة أصوات على الأقل, وأنه في حال تساوي الأصوات فإن صوت الترجيح يكون لوزير الداخلية.
أما فيما يتعلق بعضوية المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان في لجنة شؤون الأحزاب فإنها تتعارض مع الهدف الأساسي من تأسيس المركز الوطني باعتباره جهة غير حكومية محايدة يلجأ إليها الاردنيون إذا ما شعروا بظلم وتعسف يقع على ممارستهم لحقوقهم الدستورية ومن ضمنها الحق في تأليف الأحزاب السياسية والانضمام إليها. فكيف يمكن للمفوض العام أن يكون في موقع المدافع عن حقوق الأردنيين وفي الوقت نفسه الحكم على مدى تكريس هذه الحقوق من خلال عضويته في لجنة شؤون الأحزاب.
كما تظهر مظاهر هيمنة السلطة التنفيذية على لجنة شؤون الأحزاب من خلال احتفاظ وزير الداخلية بحقه في تعيين أمين سر اللجنة من بين موظفي الوزارة كما جاء في المادة (8/هـ) من مشروع القانون, وهو المنصب الذي كان يفترض أن يترك للجنة نفسها لاختيار من يشغره.
ومن مهام أمين سر اللجنة أنه يتسلم طلب تأسيس الحزب والمعلومات المرفقة به من وكيل المؤسسين, حيث أعطاه مشروع القانون وخلال مدة (30) يوما من تاريخ تسلمه الطلب أن يطلب إيضاحات ووثائق وبيانات أخرى لإتمام إجراءات التسجيل وذلك استنادا لأحكام المادة (11) من مشروع القانون, حيث يلزم مشروع القانون وكيل المؤسسين بأن يقدم مثل هذه الإيضاحات والوثائق خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تبلغه كتاب أمين سر اللجنة لهذه الغاية.
إن مثل هذا الحق الذي قرره مشرع القانون لأمين سر اللجنة من شأنه أن يعيق إجراءات تسجيل الحزب لمدة (30) يوما دون أي مبرر, كما أنه يفتح المجال أمام السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة الداخلية في طلب بيانات ووثائق معينة قد يعجز وكيل المؤسسين عن تأمينها خلال الفترة الزمنية المحددة, وهو ما يشكل قيدا غير مبرر على الحق الدستوري في تأليف الأحزاب السياسية. لذا نقترح أن يقتصر دور أمين سر اللجنة على استلام طلب تأسيس الحزب وإرساله إلى لجنة شؤون الأحزاب للتدقيق في أية وثائق وبيانات تحتاجها, على أن لا يؤدي ذلك إلى تأخير إصدار القرار في طلب تأسيس الحزب. كما نقترح أن تحدد جميع الوثائق المطلوبة لتسجيل أي حزب صراحة في القانون وذلك لمنع أي سلطة تقديرية لأمين سر اللجنة على طلبات تسجيل الأحزاب السياسية.
وما يزيد من مخاوف استغلال السلطة التنفيذية ممثلة بأمين سر اللجنة لحقها في تدقيق طلب التأسيس وطلب مستندات ووثائق إضافية ما جاء في المادة (12) من مشروع القانون التي تعتبر أنه “إذا نقص عدد الأعضاء المؤسسين عن الحد الأدنى المنصوص عليه في الفقرة (أ) من المادة (5) من هذا القانون لأي سبب من الأسباب قبل الإعلان عن تأسيس الحزب وفق أحكام هذا القانون فيعتبر طلب التأسيس ملغى”. فمثل هذا النص ينطوي على تعسف وإنكار لحق الأردنيين في تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها, إذ أنه كان يفترض بمشروع القانون أن يمنح المؤسسين فترة زمنية معينة لاستكمال عدد المؤسسين في حال نقصان عددهم وذلك تحت طائلة اعتبار أن طلب التأسيس ملغى.
ومن مظاهر هيمنة لجنة شؤون الأحزاب الحكومية على الأحزاب السياسية ما جاء في المادة (29/ج) من مشروع القانون التي تنص على أنه لا يجوز تعديل النظام الأساسي للحزب أو دمجه في حزب آخر إلا بموافقة مسبقة من اللجنة. إن الطابع الحكومي للجنة شؤون الأحزاب سيؤدي إلى تغول مباشر من السلطة التنفيذية على الأحزاب, وسيلغي من فكرة حق الحزب في تنظيم أموره الداخلية من خلال هياكل تنظيمية منتخبة تتولى إدارة شؤون الحزب وإقرار نظامه الداخلي وتعديله في الوقت والكيفية التي تراها مناسبة.
أما إجراءات تأسيس الأحزاب السياسية, فقد نظمها مشروع القانون الجديد ابتداء من المادة (6) والتي تعطي الحق لخمسة من الأردنيين على الأقل الراغبين في تأسيس حزب بأن يقوموا باخطار رئيس لجنة شؤون الأحزاب خطياً بتلك الرغبة على أن يبين الإخطار المبادئ والأفكار الأولية للحزب, وذلك لتمكين هؤلاء الأشخاص من ممارسة أنشطتهم السياسية التحضيرية والترويج لتأسيس الحزب شريطة أن يتقدموا بطلب التأسيس عند استكمال الشروط المنصوص عليها في هذا القانون خلال مدة لا تزيد على ستة أشهر من تاريخ الإخطار. فإذا لم تستكمل الشروط المنصوص عليها في القانون خلال مدة الستة أشهر, فعلى مقدمي طلب التأسيس التوقف عن ممارسة أنشطتهم لتأسيس الحزب ولا يحق لهم التقدم بطلب جديد إلا بعد انقضاء ستة أشهر من تاريخ ذلك التوقف.
إن تقييد حق الأردنيين عند تأسيس حزب سياسي بتقديم إخطار خطي لرئيس لجنة شؤون الأحزاب لكي يتمكنوا من ممارسة أنشطتهم السياسية التحضيرية يشكل قيدا غير مبرر على حق تأليف الأحزاب السياسية في الدستور. فالأصل أن يثبت للأردنيين الحق في مباشرة جميع الأنشطة والأعمال اللازمة للترويج لحزبهم وأنشطته دون الحاجة لتعليق ذلك الحق على إخطار رئيس اللجنة. كما أن إلزام المؤسسين بفترة زمنية معينة لتقديم طلب التأسيس بعد ستة أشهر من تاريخ الإخطار يتنافى أيضا مع الحق الدستوري في تأليف الأحزاب ويتعارض مع المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير خاصة وأن مشروع القانون قد فرض جزاء على من يخالف شرط المدة يتمثل في حرمانه من تقديم طلب جديد لتأسيس الحزب إلا بعد انقضاء ستة أشهر من تاريخ التوقف عن تقديم طلب التأسيس, وهو ما يشكل أيضا قيدا غير دستوري على حق الأردنيين في تأليف الأحزاب السياسية في الأوقات والأزمنة التي يرونها مناسبة لهم وتحقق مصالحهم.
وعند استكمال طلب التأسيس لكافة الشروط المنصوص عليها في هذا القانون, فعلى لجنة شؤون الأحزاب استنادا لأحكام المادة (13) من مشروع القانون أن تصدر قرارها بالإعلان عن تأسيس الحزب خلال مدة لا تزيد على سبعة أيام من انقضاء ستين يوما على تاريخ تبليغ الإشعار بتسلم طلب التأسيس أو انقضاء ثلاثين يوماً على تاريخ الإشعار بتسلم الإيضاحات والوثائق والبيانات المشار إليها في المادة (11) من مشروع القانون, على أن ينشر الإعلان عن تأسيس الحزب في الجريدة الرسمية.
إن ما يؤخذ على مشروع القانون في هذا السياق هو إطالة المدة القانونية لكي تصدر لجنة شؤون الأحزاب قرارها حول طلب تأسيس الحزب إلى أكثر من ستين يوما في بعض الحالات. فإذا لم تصدر اللجنة قرارها بإعلان تأسيس الحزب أو رفضه خلال هذه الفترة, فإن قرار الإعلان عن تأسيس الحزب يعتبر قد صدر حكماً. وفي جميع الأحوال يجب أن يكون قرار اللجنة مسببا ومعللا, وأن يتم إبلاغه إلى وكيل المؤسسين وفق أحكام القانون.
أما القرار الصادر برفض تأسيس حزب سياسي فقد أخضعه مشروع القانون الجديد في المادة (14) للطعن لدى محكمة العدل العليا وذلك خلال ثلاثين يوما من اليوم التالي لتبليغ قرار الرفض إلى وكيل المؤسسين. لقد كان الأفضل بمشروع القانون أن يخضع الطعن بالقرار الصادر برفض تأسيس الحزب السياسي للقواعد العامة في القانون الإداري من حيث جعل مدة الطعن بالقرار الإداري ستين يوما بدلا من تقصيرها إلى ثلاثين يوما دون أي مبرر أو مسوغ قانوني.
* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
العرب اليوم