من اللافت جدا ان تلتقي القوى الاساسية في العالم على موقف واحد من سورية هو «استحالة التدخل العسكري الاجنبي فيها» بل وصل الامر بمجلس وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي إلى حد «التحذير من التدخل العسكري الاجنبي» لانه حسب رؤيتهم سيؤدي الى اشعال المنطقة وقتل الالاف من ابنائها. لكن وحدهم العملاء وادوات المؤامرة من سوريين وعرب نفطيين لا يزالون يرون بالعمل العسكري الاجنبي ضد سورية حلاً وحيداً، ليوصلهم الى «نعيم الحكم والسلطة».
طبعا نحن لا نرى اهمية لمواقف هذه الجماعة الجاحدة والخائنة لوطنها ولقوميتها، ولان نضيع الوقت في التوقف عندها فهم ادوات لا قرار لهم بل جل دورهم يكمن في تنفيذ ما تقرره قيادة المؤامرة المتمثلة باميركا ومعها جمع من المساعدين الاوروبيين وبعض من دوليين اسلاميين وغيرهم وبالتالي يجب الاهتمام الجدي برفض قوى المؤامرة للعمل العسكري والبحث عن اسبابه وخلفيته ودلالاته والآفاق التي يفتحها في مسار الازمة، افاق توحي بأمرين اثنين:
أ – سقوط الخيار العسكري للمؤامرة:
لم يكن رفض التدخل العسكري الاجنبي من قبل الغرب حاليا يقظة ضمير ولم يكن بداعي الاحترام الغربي للقانون الدولي العام اوللسيادة الوطنية للدول المستقلة، وكذلك لم يكن ابدا حرصا على الارواح والممتلكات السورية والعربية، لان الغربيين الذين يرفضون التدخل العسكري الاجنبي في سورية هم انفسهم الذين اخترعوا اكذوبة 11 ايلول 2001 وذهبوا الى احتلال افغانستان وتدميرها وقتل ما يربو على 500 الف من ابنائها، وهم انفسهم الذين لفقوا اكذوبة سلاح الدمار الشامل وذهبوا الى العراق فدمروها وقتلوا وجرحوا اكثر من مليون من ابنائه، وهم انفسهم الذين سخروا حكام النفط العربي ليستصدروا قرارا من جامعة الاعراب ليستدعيهم الى ليبيا فيدمروها ويقتلوا 130 الفاً من ابنائها، وهم انفسهم الذين يحتضنون اسرائيل واحتضنوها في كل حروبها التي هجرت الشعب الفلسطيني وقتلت وجرحت اكثر من 500 الف عربي، كما هم انفسهم الذين امروا عملاءهم من الارهابيين الذين عاثوا فسادا وقتلاً وتدميرا في الداخل السوري بان لا يلقوا سلاحهم. اذاً لم تكن المشاعر الانسانية ولا قواعد القانون الدولي هي التي املت على الغرب هذا الموقف، لان الذي فرض عليه هذا الامر حقيقة هو:
1 – الصمود السوري الرائع، وصلابة التلاحم الشعبي مع النظام والقوات المسلحة ما جعل اي تدخل اجنبي في سورية وتحت اي عنوان من العناوين الوقحة اوالمخادعة محكوم عليه بالفشل الاكيد متكسرا على اقدام تلك المنظومة السورية الوطنية المتكاملة.
2 – هزيمة الارهابيين امام القوات العربية السورية التي تمكنت من مواجهتهم وتطهير معظم الارض السورية منهم ما قضى على فكرة المناطق المغلقة ذات القابلية للاتصال بالخارج واجهز على اخطر القواعد العسكرية الاجنبية التي اقيمت في بابا عمرووالزبداني وغيرها، بشكل اعدم فرص اقامة رؤوس جسور عسكرية يستند اليها التدخل العسكري الاجنبي.
3 – تشكل حالة دولية صلبة تحول دون منح الشرعية الدولية لاي تدخل عسكري اجنبي، حيث فقدت اميركا في العالم المتشكل حديثاً مرتبة القوة القائدة الاعظم لتتحول الى قوة من القوى العظمى التي تجد الى جانبها او في مواجهتها قوى اخرى تمنعها من الاستفراد بقرار العالم.
4 – وجود منظومة قتالية اقليمية متماسكة وبقوة اكيدة جاهزة للتحرك بوجه العدوان العسكري الاجنبي المباشر على سورية ان حصل، وبشكل يمنع المعتدي من تحقيق اهدافه.
هذه الحقائق هي التي فرضت على الغرب مواقفه التي تشير بشكل قطعي ونهائي الى طي صفحة العمل العسكري الاجنبي ضد سورية وبشكل لن يستمر في الحديث فيه اوالمطالبة بحصوله الا احمق او مشوه التفكير اعمت بصيرته شهوة السلطة واحلام الحكم والسيطرة وطبعا ليس لهؤلاء من عرب او سوريين وزن اوقيمة في موازين القرر الدولي.
وبهذا الاقفال معطوفاً على هزيمة الارهابيين في الداخل نستطيع ان نقول بان انفصالاً وقع الان بين العمل العسكري (بوجهيه الاجنبي اوالداخلي ) وبين المسار السلمي السياسي وباتت الدولة السورية واكثر دقة قواتها المسلحة من جيش وقوات حفظ نظام مختصة، هي الجهة الممسكة بالملف الامني تعالجه وفقا لما تقتضيه الظروف من غير ان تكون هناك مخاوف اومحاذير او قيود الا القيود التي تضعها تلك القوى وقيادتها لنفسها حرصا على سلامة المواطنين وامنهم.
ب – الشعور بان الحل السلمي هو المخرج:
شعور فرضه سقوط الخيار العسكري ما فتح الطريق جديا امام تصفية الازمة السورية تحت مظلة السيادة الوطنية والارادة الشعبية السورية التي يترجمها الحكم بقيادة الرئيس الاسد الامر الذي يطرح الاسئلة حول ضوابط الحل السلمي للازمة، وهنا نرى ان اي حل وحتى يكون مقبولا وقابلا للحياة يجب ان ياخذ بالاعتبار ما يلي:
1 – ان الفريق المتآمر على سورية – الذي شن عليها عدوانا مسلحا بطريق ارهابي، وعمل المستحيل ليطور الامر الى عمل عسكري على الطريقة العراقية اوالليبيبة- خسر رهان القوة ولم يعد بمقدوره القيام بما يهدد الدولة ونظامها ووحدتها عسكرياً، مع اننا لا نسقط قدرته على القيام باعمال ارهابية واجرامية متناثرة ومتفرقة تؤدي الى قتل وتدمير لكنها لن تغير الحال لان القوى الرسمية النظامية تستطيع ان تتعامل معها وتعالجها تباعا بما يؤول الى السيطرة عليها حتى ولوتطلب الامر بعضا من وقت، ( ينتظر ان يعوض الارهابيون فشلهم عبر الادعاء الكاذب لانتصارات وهمية ومعارك وانشقاقات خيالية ).
2 – ان الشعب السوري قال كلمته في الدستور وفي طبيعة الدولة التي يريد وبالتالي لا يمكن القفز فوق هذه الارادة الشعبية والا كان في الامر مس بالكرامة السورية لا يمكن ان تستقيم معه امور. وعليه فان البحث في الحل السلمي لن يكون باهمال الدستور الحديث.
3 – ان الحل السلمي المقبول هو الحل الذي يعتمده الوطنيون السوريون المتمسكون بسيادتهم والرافضون لاي نوع من انواع التدخل الاجنبي، وبالتالي فان الوصول الى هذا الحل لا يكون الا عبر حوار يتم بين مكونات الشعب السوري ذاته وتحت السقف الذي ذكر. ومن هنا نرى ان الذين طالبوا بالتدخل الاجنبي ورفضوا الحوار هم من يعرف ان لا قاعدة شعبية له ولا يمكن ان تكرسه صناديق الاقتراع ممثلاً للشعب السوري حتى يتولى السلطة عليه. وبالتالي فان المنطق يقود الى القول بوجوب رفض هؤلاء اصلاً من طاولة الحوار، لان محلهم الحقيقي في سورية هواقفاص الاتهام في محاكم الجنايات السورية، ان لم يلجأ الى آليات العدالة الانتقالية بما فيها من مصالحة ومسامحة.
4 – ان الحل السلمي لا بد من ان ينطلق من التسليم بحق الدولة وواجبها في فرض الامن وحفظه والحصرية في استعمال السلاح من اجل ذلك، ثم السير في الحوار الوطني لمناقشة الهواجس والطلبات ثم تبني الحل الذي تراه الاكثرية من المتحاورين (ان تعذر الاجماع عليه )، ثم الذهاب الى صندوق الاقتراع لاستكمال ما يجب في مسيرة تكوين السلطة، واذا كان هناك ضرورة ما فيكون المجال مفتوحاً امام اجراء الاصلاحات الاضافية في ظل سيادة الشعب ورفض التدخل الخارجي.
5 – الاقرار بان سورية حسمت موقعها الاقليمي والاستراتيجي في منظومة المقاومة والممانعة، وفي المعسكر الدولي القائم على قاعدة رفض التبعية والتدخل الخارجي والتمسك بالقرار المستقل والسيادة الوطنية والحقوق القومية والوطنية.