كنت أحد النواب السبعة المشاركين في الوفد النيابي غير الرسمي للحوار مع حزب جبهة العمل الإسلامي الذي تشكل وفده من عشرة من أعضاء المكتب التنفيذي، برئاسة السيد حمزة منصور الأمين العام للحزب.
وقد جرى اللقاء الأسبوع الماضي.بدا لي واضحا من تركيبة الوفد، الجدية والاهتمام الذي أعطاه الحزب للقاء مع الوفد النيابي الذي ضم نخبة من النواب، يمثلون التعددية السياسية والنيابية والاجتماعية في المجلس.
الإسلاميون معتادون على الحوار غير المباشر مع الدولة الأردنية. وهم يعرفون أن أصحاب الشأن والقرار سيبدون اهتماما بمجريات الحوار النيابي معهم، حتى وإن كان الوفد النيابي تشكل بمبادرة ذاتية، وبدون تكليف من أي جهة.
وهذا فعلا ما حصل، وقد استفسرت مني أكثر من جهة رسمية عن مجريات الحوار وانطباعاتي.استمر الحوار ساعتين ونصف الساعة تقريبا.
نصف الوقت أهدر بالمجاملات العربية الأصيلة، أظهر خلالها الطرفان أنهما معنيان بالتوافق الوطني، وأن الوطن في خطر (لم يعجبني هذا التوصيف) ولا بد من تكاتف الجميع.
من جهتي، ثمنت دوافع الحرص على الوفاق، وقلت إن الوصول إلى الوفاق الوطني يتطلب أن يكون الإسلاميون “داخل السور” وليس خارجه. وقلت بأن “المسافة بينكم وبين خريطة الإصلاح التي أعلنها جلالة الملك ضيقة”، وبدأت أناقشهم في شروطهم المسبقة للمشاركة في العملية السياسية والبرلمانية.
وقلت: لا يبدو لي أن هناك نية لفتح الباب لتعديلات دستورية جديدة قبل الانتخابات النيابية القادمة. ويمكن للبرلمان القادم، حين تكونون جزءاً منه، أن يعمل على تعديلات دستورية جديدة.
دعونا نذهب إلى انتخابات نيابية نزيهة بإدارة وإشراف هيئة مستقلة حقا، وقانون انتخاب توافقي وطني. نكون بذلك قد أنجزنا برلمانا تمثيليا تعدديا فاعلا، يعكس موازين القوى السياسية والاجتماعية الراهنة.
وقد التزم الملك أمام البرلمان بإجراء مشاورات نيابية قبل تشكيل الحكومة، تقود إلى حكومات برلمانية. وفي الملكيات الدستورية العريقة المشابهة للملكية الأردنية (بريطانيا، وبلجيكا، وهولندا)، صلاحيات الملك/ الملكة متشابهة حد التطابق، ولا يوجد نص دستوري يشير إلى تكليف الحزب أو الائتلاف النيابي الأكبر بتشكيل الحكومة، بل يصبح هذا عرفا سياسيا تفرضه وتحميه موازين القوى داخل البرلمان، التي تمنح الثقة أو تحجبها عن أي حكومة.
والأمر ذاته ينطبق على “تحصين البرلمان من الحل”؛ فلا يوجد شيء في الديمقراطية البرلمانية اسمه تحصين البرلمان من الحل، لأن الحل قرار سياسي قد تتطلبه المصلحة العامة، إما لوجود استعصاء برلماني يفشل في تشكيل الحكومة مثلا، أو رغبة رئيس حكومة الأغلبية بالاحتكام إلى الجمهور في حال رفض البرلمان خطته الاقتصادية على سبيل المثال.
والحل هنا لا يمكن أن يتحقق إلا بتنسيب من الحكومة للملك؛ فهو قرار سياسي يفترض أن تأخذه الحكومة أولا، ويصادق عليه الملك. أما شرط “انتخاب مجلس الأعيان”، فهو مطلب ديمقراطي عادل.
ولكن، هل موازين القوى السياسية والاجتماعية، ودرجة نضج التجربة الديمقراطية والبناء الديمقراطي المدني التعددي، تسمح بهذه القفزة الديمقراطية الآن؟ دعونا نؤجل البحث فيها إلى المستقبل القريب.
وختمت مداخلتي بالدعوة إلى المرحلية والتدرج، مذكرا بأن الإسلاميين ليسوا وحدهم في الساحة السياسية، وهناك لاعبون كثر قدامى وجدد، وحقهم يجب أن يكون محفوظا.
وسأتحدث في مقال آخر عن المداخلات الأخرى لأعضاء الوفد النيابي، وردود الإخوة في جبهة العمل الإسلامي، وانطباعاتي السياسية.
الغد