الاصلاح نيوز- أظهر تقرير لمؤسسة الأقصى أن المسجد الأقصى ومحيطه تعرّض إلى نحو 150 اعتداءا وانتهاكاً مركزياً خلال العام الجاري، تنوعت ما بين اعتداء وانتهاك عيني ميداني وقع بشكل ملموس، وبين مخططات تهدد وتُعرّض المسجد الأقصى لخطر آني أو مستقبلي قريب أو بعيد.
وبحسب تقرير “مؤسسة الأقصى” الصادر عنها اليوم الثلاثاء، فإن العام الجاري 2012 مرشح لتصعيد احتلالي على قاعدة القفز على المراحل والبرامج واختصار الوقت في منحى لتحقيق أكبر قدر من الانجازات التهويدية بأقل وقت ممكن، خاصة في ظل شكوك الاحتلال بأن الوقت بات ينفذ في ظل التغيرات في العالم العربي والإسلامي بسبب أجواء الربيع العربي– الإسلامي.
ويبيّن التقرير في المحور الأول: أن نحو 5000 شخصٍ من المستوطنين والجماعات اليهودية اقتحموا المسجد الأقصى خلال العام 2011 ، ترافقت اقتحاماتهم مع تأدية شعائر وصلوات دينية يهودية وأخرى تلمودية داخل الأقصى بشكل علني وأخرى بشكل مخفي، منها إدخال وحمل سفر ” التوراة” أو أجزاء منه إلى الأقصى، وبرز تصاعد في وتيرة ودالة اقتحامات مجموعات من المخابرات الصهيونية والشخصيات السياسية والرسمية الاحتلالية الصهيونية، في حين اقتحم الأقصى نحو 200 ألف سائح أجنبي لم يخلو وجودهم من مظاهر انتهاك حرمة الأقصى من بينها دخولهم إلى الأقصى بلباس فاضح.
بالمقابل شهد المسجد الأقصى حملة من التشديد والتواجد العسكري والتضييق غير المسبوق على المسلمين الوافدين إليه، وتنفيذ ممارسات يراد منها تقليل الوجود الإسلامي المتواصل في الأقصى كأوامر المنع وتحديد الأجيال، وعبر عزله عن امتداده الفلسطيني، حيث حرم الاحتلال نحو 3,7 مليون فلسطيني من أهل الضفة الغربية وقطاع غزة من الوصول إلى مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، يُضاف إليه التدخل الاحتلالي بصلاحيات الأوقاف الإسلامية بالقدس ومنعها من تنفيذ مشاريع الصيانة والإعمار اللازمة والضرورية، وبالتوازي مع ذلك كثرت ونشطت فعاليات المنظمات اليهودية الداعية إلى تسريع بناء الهيكل المزعوم على حساب المسجد الأقصى، معتبرين أن الوجود اليهودي شبه اليومي في الأقصى وأداء الصلوات اليهودية فيه، هو الخطوة الأولى في تنفيذ مخطط تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، وواضعين ذلك انه المقدمة الميدانية لإقامة الهيكل المزعوم، يُضاف إليه ما حوّله الاحتلال من مواقع في محيط المسجد الأقصى إلى مرافق ” للهيكل” ، كما حصل في قصور الخلافة الأموية – جنوب المسجد الأقصى-.
إما في المحور الثاني بحسب المؤسسة، فقد أظهر التقرير التوثيقي السنوي أن العام 2011 شهد حملة حفريات وتفريغات ترابية وإنشاء أنفاق طويلة ومتشابكة أسفل وفي محيط المسجد الأقصى من جميع الجهات ، حيث يسعى الاحتلال إلى تحقيق وجود شبكة من الأنفاق والفراغات الأرضية تصل أطوالها بشكل تراكمي إلى نحو 3000م ، يتخللها كنس يهودية ومراكز تهويدية.
وما ميّز هذا العام عن غيره هو المبادرة إلى الإعلان والإشهار لهذه الحفريات والأنفاق ، التي كانت تأخذ طابع السرية بشكل عام ، ولعل أخطر وأبرز ما في هذا المحور هو اعتراف الاحتلال بشكل شبه رسمي عبر أذرعه التنفيذية والإعلامية عن وصول هذه الحفريات إلى أساسات المسجد الأقصى المبارك، خاصة في الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى، في حين تعمّد الاحتلال أكثر من ذي قبل الحديث عن كشوفات أثرية خلال عمليات الحفريات ادعى – زوراً وباطلاً – إنها من الموجودات الأثرية خلال فترة الهيكل الأول والثاني المزعومين.
أما المحور الثالث: الذي ركزّ الاحتلال العمل على تنفيذه خلال العام 2011 ، بسرعة قياسية غير معهودة، هي محور تهويد محيط المسجد الأقصى المبارك، ولعل أبرزه هو مخطط التهويد الشامل لمنطقة ساحة البراق ، وكان ملف ” استكمال هدم طريق باب المغاربة وبناء جسر عسكري يوصل إلى الأقصى” هو الملف الأسخن هذا العام ، خاصة في نهايته ، حيث وصل الأمر إلى نقطة الحسم النهائية نحو التنفيذ الفعلي، لكن لطف الله أولا وآخراً ، ثم أجواء ومناخات الربيع العربي- الإسلامي حالت دون ذلك ودفعت في اللحظات الأخيرة ” نتنياهو” إلى التدخل لمنع أو تأجيل التنفيذ إلى وقت “أكثر مناسباً ومريحاً”.
كما عمل الاحتلال على تحويل المحيط الأقرب للمسجد الأقصى ثم الأبعد إلى حدائق توراتية ومسارات ومرافق تلمودية تطوق الأقصى من جهاته الأربع، يُضاف إليها البدء بأعمال تمهيدية والمصادقة النهائية أو شبه النهائية على مشروعات لزرع محيط الأقصى بأبنية ومراكز تهويدية واستيطانية تحت مسمى “مراكز تجارية وسياحية”، خاصة في منطقة سلوان جنوب المسجد الأقصى، وكذلك تكثيف النشاط الاستيطاني حول المسجد الأقصى، وفي المناطق المطلة عليه، كان أبرزها افتتاح وحدات جديدة في “مغتصبة هار هزيتيم” المقامة على حي راس العامود الفلسطيني، كما عمل الاحتلال على تهويد المعالم والآثار الإسلامية والعربية تحت مسمى “مشاريع الترميم”، خاصة في سور القدس الإسلامي العربي التاريخي.
ومن أجل تنفيذ ناجع لممارسات الاحتلال واعتداءاته وانتهاكاته ومخططاته ، ظهر جلياً الدعم المالي الاحتلالي والإعلامي غير المحدود بل والمتعاظم وعلى أعلى المستويات السياسية والرسمية من اجل تحقيق وتسجيل النقاط التراكمية في تحقيق أحلام “المشروع الصهيوني”.
في المقابل فإن أهل القدس الشريف وأهل الداخل الفلسطيني شكلوا بتفرد رأس حربة للدفاع والحفاظ على المسجد الأقصى المبارك، عبر تنفيذ إستراتيجية واقعية مفادها أن المدّ البشري ورفد المسجد الأقصى المبارك بأكبر عدد من المصلين هو صمام الأمان لحفظ المسجد الأقصى، وكان “مشروع مسيرة البيارق” التي ترعاه “مؤسسة البيارق لإحياء المسجد الأقصى المبارك” و”مشروع إحياء مساطب العلم في المسجد الأقصى” الذي ترعاه “مؤسسة عمارة الأقصى والمقدسات” والمشاريع الإعلامية و”مشروع إفطار الصائم في الأقصى المبارك”، التي ترعاها “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث”، أهم هذه المشاريع المناصرة للمسجد الأقصى.
وشكل شهر رمضان وأيام الجمعة رافعة قوية لرفد الأقصى بعشرات ومئات الآلاف ، وكان أهل القدس والداخل هم الداعم الأساسي والمناصر الدائم لدائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس – صاحبة السيادة والصلاحية في المسجد الأقصى المبارك-.
ولا يمكن بحال من الأحوال تجاهل تأثر وضع قضية المسجد الأقصى والقدس الشريف، بحالة وأحداث الربيع العربي الإسلامي خلال العام 2011م ، وما رافقه من مسيرات نصرة للقدس والأقصى وفلسطين، حيث شكل وما زال الربيع العربي بارقة أمل لتغيير الوضع إلى ما هو أحسن وأفضل، حيث أجمع مراقبون ومطلعون أن الربيع العربي الإسلامي وتأثيراته هي التي منعت الاحتلال – ولو بشكل مؤقت – من تنفيذ استكمال هدم طريق باب المغاربة وبناء جسر عسكري بديل.
لكن في الوقت نفسه فإن حالة الربيع العربي في تقدير بعض المراقبين تشي إلى أنها دفعت الاحتلال الصهيوني إلى تسريع خطواته في تنفيذ مشاريع استهداف المسجد الأقصى – من منطلق أن الوقت بدأ ينفذ وان فرص العمل للتهويد بدأت تتقلص -، بل أن هناك من يقول بأن تطورات وأحداث الربيع العربي الإسلامي قد تدفع الاحتلال الصهيوني إلى إيقاع ما هو اكبر وأخطر على المسجد الأقصى ومحيطه، خلال العام الجاري 2012 ، في محاولة لإثارة الفوضى العارمة وخلط الأوراق من جديد ، ولعلّ ما نشر بداية العام عبر دراسات لأجهزة الاستخبارات الصهيونية أن العام الجاري 2012 يحمل في طياته توقعات بحدوث اعتداءات خطيرة على المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى من قبل جهات يهودية متطرفة، أو ما نشر على لسان رئيس الكنيست الصهيوني السابق “أبراهم بورغ ” بأن المسجد الأقصى سيُحرق في عهد رئيس الحكومة الصهيونية الحالي ” نتنياهو” ، يتلوه بعد سنين إقامة الهيكل الثالث المزعوم ، لعل في ذلك إشارة إلى ما يمكن أن يحمله المستقبل للمسجد الأقصى في قادمات الأيام – والأحداث منذ مطلع العام الجاري 2012 قد تشير إلى ذلك- ، الأمر الذي يدعو بإلحاح إلى تحرك إسلامي عربي فلسطيني عاجل ، يجعل قضية القدس والمسجد الأقصى في رأس أولوياته، والأمل يحدونا أن بشائر ذلك اليوم بيّنة أكثر من أي وقت مضى.