الاصلاح نيوز /،كتب سليم اللوزي – النشرة،
في إحدى زوايا مقهى “ركوة عرب” المزروع على جبل اللويبدة في عمّان، يجلس شابٌ عشرينيّ، علّق على أذنيه سماعتين حمراوين، بعد ان أهمل شعره المجعّد وعتق لحيته. صوت الايقاعات يصرخ في السماعتين، أكاد أجزم بأنه خسر الكثير من قدرته على السمع بفعل الصخب الذي يمزّق غشاء السماعات ويخرج إلى من حوله. أصابعه تتحرك في الهواء مع حركة الغيتار الايليكتريك الموزع بانتظام في الموسيقى، يهزّ رأسه وكأنه يساير الايقاعات ويخلطها في صدغه. في المذياع المثبّت فوق رأسه موسيقى لزياد الرحباني، اختلافٌ كبير بين هاتين الحضارتين المحصورتين في الزاوية.
في العام 2003 بدأ محمد الزعبي المعروف بـ”كريستالزعبي” أو “كريست نير أم.أم.دي” بسماع موسيقى الـ”Hip Hop”، وفي العام 2007 تعرف على مغني الراب الفلسطيني “رامي جب.بي” الذي واظب على سماع أغانيه طوال السنوات الاربع. كان كريست كاتب مقالات ساخرة، وهذا ما دفع جبين لتشجيع كريست على كتابة أغاني الراب، وقال له حينها: “ما دمت قادراً على كتابة المقالات الساخرة، فهذا يعني أنك تستطيع ان تكتب أغاني راب”. تلقى كريست نصيحة عرّابة ومضى قدماً في الكتابة، أمضى خمس سنوات داخل رحم أغنية الشارع، خمس سنوات كانت كفيلة ليصدر في العام 2011 أولى أغنياته، بعد أن كان لاعب “بايز” في إحدى فرق الروك .
يتوجه كريست في أغانيه للفقراء في الأردن، فالشعب الاردني “مقسم لعدة شرائح، وانا اتوجه للفئة الفقيرة من الشعب، الشعب الاردني ليس متعطشا للراب، عندما أكتب اغنية وأريد ان انشرها، اسمعها للمقربين، للذي يغسل سيارة والدي وابن حارتي واصدقائي، انشرها للناس الذين يحبونني، فالموسيقى التي اقدمها بالمجان، انشرها على الانترنت للجميع. وفي ما يخص الموسيقى، اليوم أنا ألحن أغانيّ ولكن في بعض الأحيان الأصدقاء يدعموننا بالموسيقى”.
كريست الذي يَتبَع منظاره في كتابة الكلمات، يكتب عن الأوجاع والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفنية بالصورة التي تصورها له عيناه، وقبل آخر أغنية قدمها كانت “بنظري”، قال عنها:”كنت انقل من خلالها رؤيتي للوضع في الأردن اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وفنياً، وكل ما يهمني ان يعجب بها الاشخاص الموجودين حولي”، وتابع: “كل اغنية أقدمها أشعر بأنها اقوى من الأغنية التي مضت، “بنظري” أغنية تستهدف كل الاشياء التي اراها بوجهة نظري، المشاكل الخاصة وكيف أرى “انا” الربيع العربي، وكيف أرى المشاكل في الأردن، بالاضافة لنظرتي للحياة الاجتماعية والجامعات، وأنا اركز هذه الفترة على مشكلة الجامعات، التي لا أرى فيها العلم، بينما ارى أنها تهتم بالمال”.
لم تتشرف مكتبة الراب العربي حتى اليوم بألبوم يحمل توقيع كريست، إلا أن الشبكة العنكبوتية تحمل اوزار ألحانه بين طيات مواقعها، إلا أن الرابر الاردني ترك بصمته في البوم مشترك أصدرته شبكة حماية الصحافيين في الأردن في مشروع “رسل الحرية”، فكان له عملين.
يعمل كريست اليوم على “قانون” وهو مشروع جديد يعتمد من خلاله على آلة “القانون”، فهو يحاول دمج موسيقى الـ”Hip Hop” مع الموسيقى الشرقية تماماً كما فعل في أعمال سابقة عندما دمج بينها وبين الـ”Rock” والـ”Heavy Metal”، وفي هذا السياق، قال: “أنا بالأساس شرقي وتربيت على الموسيقى الشرقية، وعليّ أن أقدم هكذا نوع من الموسيقى”، وتابع: “مشروع “قانون” عبارة عن خمس أغان، ويتناول موضوع الفن في عمّان، ما يعني أن الشخص الذي يملك مالا هو فنان والفنان الذي لا يملك المال ليس فنانا، وأقول في إحدى الأغنيات “معك مصاري اذا انت فنان مناسب، ما معك مصاري ليش ما اطلعت محاسب” وهذا شيء واقعي في عمان، معك مال تستطيع ان تقدم اي شيء”.
عمّان، ليست الساحة المناسبة لحفلات الراب، فبعضها مسموح والبعض الآخر ممنوع، وفي بعض الأحيان تكون الحجّة أن مغني الـراب “عبّاد شيطان”، وعلّق كريست على هذا الموضوغ ساخراً: “المتهمين في عبادة الشيطان في العادة مع انه اتهام غير صحيح هم مغنو الروك والـ”Heavy Metal” وليس الرابرز”. وبالرغم من هذا الحضور الخجول على المسارح، إلا أن حركة الراب في عمان ناشطة، كريست يصف هذه الحركة بأنها”جميلة وسيئة”، ويبرر ذلك قائلاً: “الراب في عمان مقسوم إلى قسمين، القسم الاول الذي ينتج من الشارع وهذا شيء جميل جداً، والثاني الذي لا ينتج اي شيء”. “الخطة باء”، “طارق ابو كويك”، “فرقة ترابية” وغيرها من فرق الراب تكتسح الساحة الأردنية، ويقدمون الأعمال الرائعة التي تخرج من نبض الشارع إلى أذن المستمع، معزوفة على أوتار الوجع المضني تقدم بأنامل ضاربة.
كريست الذي لم يشعر بالغربة عندما قدِم إلى بيروت، يعرف الكثير من مغنيي الراب هنا، من بينهم “رمسيس الحامورابي” و”مازن السيد” و”سامر عبد الكريم” و”قرار – فارس صباغ” و”فريق الأطرش” و”961″ و”طفار” و”كتيبة خمسة”، والذي قال عنهم: “هم رائعون، يقدمون عملا رائعا، اتمنى ان اكون معهم في حفل في لبنان او يكونوا هنا معنا في الأردن”، ويتابع: “أتمنى أن أعيش في لبنان، بالرغم من الاختلافات بين عمان وبيروت، إلا انني لم أشعر بالغربة، سقف الحرية لديكم عال جداً، وهذا الشيء يغريني، اتمنى ان تنتهي مشاكل الطوائف في لبنان، فكلنا بشر بغض النظر عن الافكار والديانة، يجب ان نتعامل مع بعضنا البعض كانسان وممكن ان نتقدم على دول تعرّف عن نفسها بانها تقدمية في العالم”.
عندما يطفئ كريست مذياعه، يعني هذا أنه يعمل على مشروع لدراسته الجامعية، فإلى جانب الراب هو طالب “سينوغرافيا وديكور”، ويطمح أن يصل إلى مهارات متطورة في هذا المجال، تزامناً مع تقدمه في الراب.