يقول المفكر الدكتور رؤوف أبو جابر أن للسلط ميزة حضارية جعلتها تـَبـُزُ العديد من المدن الاخرى وذلك عندما إستأصلت الطائفية الكيانية، وجعلت جميع أبنائها أندادا متساوين على إختلاف دياناتهم.
فعلى سبيل المثال نرى المسيحيين من أبناء الدبابنة والمعشر وقمّوة ينتمون في تحالفهم العشائري الى العربيات والوشاح والنسور والجزازية ووادي الاكراد مقابل إنتماء المسيحيين من رجال قاقيش وثادرس وفاخوري الى المسلمين من العواملة والزعبية والقطيشات والحارة.
ولم يكن حجاب المرأة مقتصراً في السلط على المسلمات، بل كان رداءً الجميع، عن طيب خاطر وعمق محبة.
وهم يصرون على نبذ كلمة « تسامح « نظراً لدلالاتها اللغوية. فمثلاً، أذا رأى المرء شيئاً منفراً أو كريهاً، ولم يكن ثمة من بدٍ إلا القبول به, فإنه يتسامح بالتعايش معه.
ولكن بدلاً من ذلك يستخدمون كلمة المساواة، وهي الاكمل والافضل عشائرياً ومواطنةً.
أذكر هذا في سياق ما يجري حاليا من تحويل للطائفة الدينية الى كيانات سياسية كما نرى في سوريا حيث نرى « جـَزَّ النحـور « في حمص ما بين سنيين وعلويين يقاتلون في معارك الفناء او البقاء.
وسبق هذا المشهد المأساوي بأربعين عاماً ما رأيناه ما بين الموارنة والدروز والسنة في لبنان من تصفية جسدية بناءً على هوية الاحوال المدنية.
ويـُذكر في هذا الصدد أن نابليون الثالث قد أجبر الدولة العثمانية عام 1860على وضع النظام الأساس لمتصرفية جبل لبنان مما قاد الى تحويل الطائفة المارونية الى كيانية سياسية بناءً على ضغوط من لوبي الكنيسة الكاثوليكية التبشيرية.
وقد حذا حذوه في العراق منذ سنوات الحاكم الامريكي بول بريمر الذي سنّ القوانين التي حولت الطائفية المذهبية الى كيان سياسى، وغذت الأحقاد ما بينهما الى درجة استحلال هدر الدم المسلم المعصوم.
ولم يكن السنة والشيعة يختلفون عقيدةً او مذهباً أو ممارسةً للعبادات حتى بعد وفاة الرسول» صلى الله عليه وسلم بمائتين وعشرين عاماً بالرغم من إختلافاتهم السياسية حول أحقية الخلافة. ولكن بدأ تأطير الخلافات بعد فتاوى الامام أحمد للمذهب السنى واجتياح الافكار الاسماعيلية للمذهب الشيعى.فغدونا نرى «عصائب الحق» تذبح ابناء السنة في الموصل كما رأينا كوادرانتحاريي القاعدة تستبيح دماء شيوخ النجف والمراقد في سامراء.
يقول علماء الاجتماع أن الوسيلة المثلى لتفتيت المجتمعات وشرذمتها تحويل الطائفية الدينية الى كيانية سياسية مما سيعمل على أشعال الحروب المذهبية فوراً، أو كقنبلة موقوتة، تثور بعد حين.
يوجد في تركيا عشرون مليوناً من الطائفة العلوية, وهم الذين شكلوا العمود الفقري لمصطفى كمال اتاتورك في بدايات تأسيس الجمهورية, وعندما أرادوا تحويل الطائفة الى كيان سياسى منفصل قبيل وفاته بعامين, رفض منحهم ذلك الامتياز، وأصر على اولوية الانتماء للوطن,علماً بأنهم قادوا حزب الشعب لسنوات.
اقول هذا واتذكر ما حصل في السودان كما أستشرف صورة الأقباط في مصر, وكيف تنهمر عليهم كالمطر أغراءات من ابناء المهجر، يحثونهم على تحويل الطائفة الدينية الى كيانية سياسية، وهم يعلمون أن ذلك سيفتت نسيج المجتمع المصري ويشرذمه، ويقوض في النهاية دولته، أمام دهاقنة العدو المتربص على حد السيف في سيناء.