يتواجد داخل فندق ثلاثة نجوم في عمان، عشرات المصابين من ويلات الحروب وأحداث العنف في سورية، والعراق واليمن والذين حضروا إلى عمان بقصد العلاج وترميم أجسادهم التي تناثر بعضها على شكل أشلاء في شوارع بلادهم أو داخل المعتقلات.
بيد أن المصابين السوريين، هم الأكثر انتشارا بين المصابين العرب، نتيجة لارتفاع وتيرة العنف في مختلف المدن السورية؛ إذ أن من النادر أن ترى سوريا قادما من بلاده في عمان إلا ويحمل عكازا أو تبدو آثار الإصابة عليه.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في المملكة منذ اندلاع الثورة هناك نحو 15 ألف مواطن سوري وسط توقعات بارتفاعه، في وقت وصل فيه عدد المصابين السوريين الذين تتم معالجتهم على نفقة منظمة “أطباء بلا حدود” في المستشفيات الأردنية 130 مصابا.
ويتحدث أبناء الجالية السورية في عمان عن طريق عبورهم إلى الأردن هربا من ويلات الحرب، كونهم مطلوبين أو مصابين، بأنهم دخلوا الأردن “نظامي أو عن الشيك”.
ويقصد “اللاجئون”، بـ”نظامي”؛ أنهم دخلوا الحدود الأردنية بشكل رسمي، أما “عن الشيك”؛ فهو من خلال التسلل إلى الأراضي الأردنية.
ولفت لاجئون التقتهم “الغد”، إلى حسن استقبال الأردنيين للاجئين السوريين وتقديم خدمات العلاج والأمان لهم.
يقول المصاب عاهد خالد من مدينة درعا، إنه “وباقي المطلوبين من أبناء منطقته كانوا يستيقظون طوال الليل، خشية المداهمات لقوات الجيش والأمن السوري لمنازلهم، وفي الصباح يذهبون للنوم”.
يضيف “الأسبوع الماضي فوجئنا أثناء ذهابنا إلى منزلنا بمداهمتنا من قبل قوات الجيش، وبدأوا يطلقون علينا النار من أسلحة أتوماتيكية، ما أدى إلى إصابتي بقدمي، لكني تمكنت من الفرار”.
ويزيد “نتيجة للتواجد الأمني في المستشفيات، وعدم توفر الرعاية الصحية بشكل عام في المدينة، بقيت يوما كاملا والدماء تنزف مني؛ إذ تم وضع الضمادات على مكان الإصابة، ومن ثم توجهت برا باتجاه الأراضي الأردنية حيث تمكنت من التسلل”.
يشرح خالد “حضر الجيش الأردني، وأرسلني إلى مستشفى الرمثا الحكومي، ونظرا لخطورة الإصابة تم نقلي إلى مستشفى في عمان، وحاليا قدمي بحاجة إلى إجراء عمليات جراحية ووضع أسلاك معدنية وبراغي فيها”.
ووفق المصاب عاهد، فإنه “اعتقل قبل أشهر من قبل أجهزة الأمن السوري، حيث خضع لأبشع أنواع التعذيب، من بينها تقييده من يديه وقدميه، ثم دفعه من على رأس الدرج، وأحيانا كانوا يقيدونه ومن ثم يتدربون على جسده ألعاب الكراتيه والملاكمة”.
قصة عاهد لا تختلف كثيرا عن قصة وليد سامي، الذي كان يقوم بتصوير ما يرتكبه الجيش والأمن السوري من مجازر وينقلها لوسائل الإعلام ومنها الفضائيات، بعد أن اصطاده أحد القناصة وأطلق النار على يده ما أدى إلى بتر أصابعه.
بيد أنه لاذ بالفرار، في حين كانت عناصر من الجيش السوري تلاحقه للإجهاز عليه بعد أن علمت أنه كان يقوم بالتصوير.
وحسب وليد، فإنه شاهد منزلا قريبا منه فدخل إليه طالبا المساعدة، وكان لحسن حظه أن سيدة البيت حينها في حالة “مخاض”، والقابلة الموجودة هناك كانت يداها ملطخة بدم النفاس.
يقول “قام صاحب البيت بنقل زوجته إلى غرفة جانبية، وأدخلني مكانها، ثم قامت القابلة وبعض النسوة بمسح آثار الدم التي نزفت من يدي على الأرض قبل وصول عناصر الجيش، الذين حاولوا دخول الغرفة لتفتيشها، لكن الجميع صرخوا عليهم، قائلين “حرام عليكم المرة بتولد… بلاش تشوفكوا وتموت”.
ويتابع “بعدها تم إرسالي إلى مستشفى ميداني، لكن كانت حالتي صعبة جدا، فقرروا تهريبي إلى الأردن، كي أتمكن من العلاج”.
ويستذكر مصاب ثالث قصة مذبحة مسجد العمري، في الـ22 من آذار (مارس) الماضي، لافتا إلى أنهم بينما كانوا يشيعون جنازة 12 شهيدا قتلتهم نيران الجيش داخل المسجد، فوجئوا بقوات من الجيش تطلق النار عليهم، بعد تشييعهم للجثامين، “حيث تعرضت للإصابة وكانت حالتي خطرة”.
ولفت إلى أنه “بقي قيد العلاج عدة أيام وبنفس الوقت ملاحقا من قبل الأجهزة الأمنية حتى تم اعتقاله في الثلاثين من شهر حزيران (يوليو) الماضي، وأمضى مدة شهر قيد الاعتقال تعرض خلالها لأسوأ أنواع التعذيب، وفي مطلع شهر أيلول (سبتمبر) حضرت إلى الأردن بقصد العلاج.
وعن إصابته قال إن “هناك عمليات زرع أعصاب وتوصيل أعصاب كانت مبتورة”.
يؤكد مصابون أن الأطباء والطواقم التمريضية في مستشفيات سورية، تقوم بأعمال نضالية وإنسانية كبيرة، فمنهم من عرض نفسه للاعتقال، لمعالجته مصابين من المتظاهرين.
ويؤكد على ذلك مصاب من مدينة درعا، مشيرا الى أنه لم يتمكن من الكشف عن اسمه عندما أسعف إلى المستشفى إثر إصابته بعيار ناري في منطقة الفخذ، وأنه استخدم هوية شقيقه حتى يتمكن من العلاج، متذرعا أنه تعرض لحادث عرضي أدى إلى إصابته نتيجة للتواجد الأمني الكثيف في المستشفيات.
ويقول إن “الطبيب الذي كان قرر إجراء عملية جراحية لي، طلب منه رجال الأمن التواجد في غرفة العمليات، وذلك بعد أن ساورتهم الشكوك، أن إصابتي كانت بسبب مظاهرة اشتركت بها، إلا أن الطبيب طردهم، بعد أن أكد لهم ضرورة إجراء عملية”.
وزاد “بعد أن أجراها لي ساعد أهلي على تهريبي مباشرة من المستشفى وعلى إثر ذلك تم اعتقاله، في حين تمكنت من التسلل إلى الأراضي الأردنية.