تواجه نقابة الصحفيين الأردنيين إشكالية في إثبات تلقي الصحفيين وكتاب الأعمدة أموالا من جهات متعددة، لكن المؤكد لها أن عاصفة “قائمة الـ51” كانت مدعاة لإعادة ترتيب البيت الصحفي من جديد.
فأمر نشر القائمة يحمل في ثناياه شقين الاول قانوني والثاني اخلاقي وسياسي، “فعلى المستوى الشخصي نعلم من يتلقى اموالا وهبات لكن بالمعنى القانوني لا يوجد شيء يثبت تلقي هذا العضو أو ذاك الأموال”، يقول عضو مجلس النقابة ركان السعايدة.
والسؤال الذي دار الجدل حوله داخل أروقة مجلس النقابة في اجتماع طارئ عقدته الأحد لبحث أزمة قائمة 51 صحفيا وكاتبا تلقوا أموالا من رئيس المخابرات السابق محمد الذهبي، كان “هل نستطيع كنقابة التحقق في الأمر والطلب من الجهات المسؤولة تزويدنا بكل حيثيات القائمة المتوفرة لديها لاتخاذ الإجراءات المناسبة لكن ما أرتأيناه هو التسليم للقضاء ليمارس دوره الطبيعي في ذلك”، وفق السعايدة.
عن الإجراءات التي قد تتخذها النقابة في حال ثبت تورط الصحفيين والكتاب بتلقي أموال الذهبي، يقول السعايدة قد تتخذ قرارات تأديبية من مجلس ضبط وقد تصل إلى حد فصل الصحفي أو الكاتب من عضوية النقابة”.
التوقيت والمعنى
عن توقيت القائمة، طالما أن الأقاويل تسمع دون ما التثبت من صحتها فلا يوجد شيء يمكن للنقابة الاستناد عليه لأجل التحرك، غير ان دعوات النقابة لا تنفك من حث الصحفيين أو شخصيات عامة ورجال أعمال لأجل التبليغ عن أي حالات قبض أموال أو ابتزاز قد يتعرض لها مسؤول من قبل صحفي.
لكن رئيس هيئة تحرير صحيفة العرب اليوم سميح المعايطة يستبعد توقيت نشر القائمة من باب مؤامرة ما، ويقول “القائمة هي افراز لحالة استقطاب كانت في العام 2008 حيث كانت علاقات خاصة لبعض الوسط الصحفي مع جهات لديها صراع ما جهات أخرى وهذه تداعياتها ببساطة”.
ويضيف المعايطة أن الشخص المتهم بدفعه المبالغ حاليا للصحفيين تحت التحقيق وفي مراحل سابقة كان قوة سياسية له نفوذ لكن يبقى من يتعرض للتحقيق قد يكشف عن ما يملكه من قوائم وملفات.
غير أن مدير راديو البلد داود كتاب يرى من جانبه أن من تقصد نشر القائمة يدرك أن ثمة أرضية تتقبل هذه الاسماء من ناحية التوقيت لكن المؤكد أن التلميح يضر أكثر من التصريح في هذه القضية.
حملة إعلامية
فيما يتابع السعايدة أنهم في النقابة سيحاولوا في حال تقصي المعلومات التي ترد عن تلقي هذا الصحفي مكافئة شهرية من هذه الجهة أو معونة من تلك؛” سندفع ذلك بحملة إعلامية لمقاطعة هؤلاء لأجل الحد من هذه الظاهرة مع المجالس التأديبية في النقابة التي هي أشبه بمحاكم لهم”.
ويدعو السعايدة جميع الجهات ومن تعرض للضغط أو ابتزاز بأن يبلغ النقابة لأجل التحرك وإخطار القضاء وذلك من باب إعادة ترتيب البيت الداخلي للصحفيين.
يتفق المعايطة مع السعايدة، ويرى أن القضية تظهر فضيحة سياسية وأخلاقية أكثر من كونها قضية قانونية فيها الكثير من الأدلة، “سينظر إلى الإعلام كونه يباع ويشترى ليس أكثر”.
القضية أقدم من القائمة
وفي إطار الزوبعة الإعلامية التي شهدتها القائمة المرمزة باسماء صحفيين وكتاب، يّذكر رئيس مركز القدس للدراسات الصحفي عريب الرنتاوي بدراسة “الاحتواء الناعم” التي اجراها المركز مرتين الأولى في العام 2009 والثانية في العام 2011 وفيها تم التطرق لاشكال الاحتواء الناعم للصحفيين والكتاب والتي شكل فيها كان يتلقى الصحفيون أموالا من قبل مسؤولين وحكوميين ورجال أعمال وأجهزة أمنية والتي شكلت نسبتهم 38?.
يقول الرنتاوي: ربما الفترة الفائتة لم تشهد حديثا مفتوحا عن الأجهزة الامنية لكن الفترة الحالية تغير الوضع ما يعني تغير في نسب تلقي الأموال من قبلها مع جرأة بعض الصحفيين.
يتوقع رنتاوي أن الدراسة الثالثة حال صدورها سوف تلقي الضوء أكثر على هذه الظاهرة بأفضل عن السابق ما يمكن من توسعة وتعرية هذه الظاهرة.
وفي إطار ذلك، فالصحفي والمدون محمد عمر يعود إلى قبل عدة شهور عندما صرح رئيس هيئة مكافحة الفساد سميح بينو في ندوة له قال وقتها أن لدى الهيئة ثبوتيات تدين صحفيين تلقوا أموالا وهدايا وأشار إلى أن أحد الكتاب تلقى مبلغ 135 ألف دينار كمكافئة على خدمته في أحد اللجان، لكن لم تحرك نقابة الصحفيين أو المعنيين بحرية الصحافة ساكنا في تدقيق تصريحاته.
وما قائمة الـ51 إلا جزء من جنوح بعض المسؤولين الأمنيين أو الحكوميين لاستبدال الوسائل الغليظة المتبعة من عقوبات أو سجن بأخرى غير مكلفة بمعنى اعتقال صحفي قد يكون مكلفا أكثر من منحه المال مباشرة، يقول الرنتاوي.
وما يعزز من هذه الممارسات هو غياب مدونة السلوك التي تفتح الباب على مصرعيه، ويقول الرنتاوي “هناك تضارب في المصالح ما بين الصحيفة والجهة الحكومية أحد اشكالها غض الطرف عن تلقي صحفييها من أموالٍ أو هبات أو مواقع عمل..هذا خلل جوهري بسبب تاريخ حافل من التدخلات بحق العمل الإعلامي في الأردن”.
المعايطة يرى أن القائمة ما هي إلا ثمن تدفعه الصحافة بسبب قضايا فساد تنشر دون أي أدلة، وهذا ثمن يحصد، غير أن الضرر يعم الجسم الصحفي بكامله.
محامي الشيطان
قد لا يرى البعض في دفع المبالغ المالية بالأمر المفاجئ او الصادم طالما تصًف أجور الصحفيين بالزهيدة، لكن سميح المعايطة يعود إلى القائمة ويقرأ أن العينة في حال ثبتت بجميع اسمائها فهذا يعني نخبة صحفيين وكتاب بعضهم يمتلك مواقع إلكترونية.
بذلك يطالب المعايطة بكشف الأسماء حال التثبت من صحتها ذلك لتبرأة ساحة كثيرين قد يساء لهم ويساء للوسط الصحفي أجمع.
فيما يقر داود كّتاب بالرواتب المتدنية للصحفيين الاردنيين، وهذا ما قد يعرضه لسهولة قبول هبات أو أموال لكن من يريد صحافة قوية عليه أن يحصن الصحفي، مع ضرورة حصانة الصحفي بمهنيته.
من جانب آخر، يقلل المراقب الإعلامي محمد عمر من صحة القائمة وإن يؤكد أنه ليس بالضرورة أن لا يقبض بعض الصحفيين الأموال، ومعروفين بعضهم حيث يعملون في جهات حكومات كمستشارين ويتقاضون رواتب عالية وآخرين يتقاضون الرشاوى. “القائمة نشرت ليس للوسط الصحفي إنما للمواطنين، لكونها تناولت أولا 51 اسما واحيانا عن 35 اسما صحفيا وكأنه نوع من الترهيب أو التخويف للبعض.
وما يعتقده عمر أن تسريب القائمة قد تم من جهة رسمية محددة وهدفها ضرب الحراك الاصلاحي واسكاته والمعارضة في الصحافة أو أنها تصفية حسابات شخصية ما بين شخصيات أردنية معروفة لكن المؤكد أن القائمة ضربت آخر مصداقة للإعلام وأثرت على الإعلاميين.
على أن هذه الظاهرة ليست مقتصرة في الأردن فحسب إنما أينما كان، لذلك وكما يقول داود كتاب، فالنظر لمثل هذه الظاهرة من جانب ارتباط القارئ الواعي بالصحفي المهني ارتباطا وثيقا بالبيئة الصحفية المستقلة وهو ما يكشف الصحفي المرتشي من المهني.
تغطية خجولة
يرصد محمد عمر بعض المواقع الإلكترونية التي تناولتها بحياد وبعضها من جانب مهني حيث لم تتحقق من الوثائق لتمتنع عن نشرها وأخرى بحكم الزمالة والصداقة مع الزملاء الصحفيين فقد التزمت بعدم النشر، لكن بالنهاية القائمة نُشرت مع رموز وإيميلات وتم تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وماهو المطلوب في هذه الفترة، يقول محمد عمر أن على نقابة الصحفيين وهيئة مكافحة الفساد الكشف عن ما يملكانه من وثائق ومعلومات ليستطيع بعض الصحفيين الذي تم التجني عليهم استعادة مصداقيتهم غير ذلك لا شيء آخر قد يعيدها.