ويتأتّى غباء هذا السؤال من مجموعة من الحقائق والمعطيات والبديهيّات، لعل أولها أنه سؤال لا يحتاج إلى كثير من التفكير للإجابة عليه، إذ عَرَف هذا الجواب، وأحاط به، كل الناس، حتى الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم بعد، وأولئك الذين ابتلاهم الله بفقدان العقل. ولعل ثانيها، أنه سؤال يجب أن لا تتم الإجابة عليه، لأنه، في الأصل، يجب أن لا يُطرح، وبالتالي فهو خاطئ في شكله وفي مضمونه. وثالثها أن من يخطر على باله، أو يفكر من قريب أو بعيد، أن يسأل هذا السؤال، فهو إما أن يريد أن يستغبي الناس، وإمّا أنه يريد أن يضيّع وقتهم في أمور لا تجدي ولا تنفع، ويريد أن يشغلهم بقضية جدليّة لا يمكن لأحد طرفيها أن يصمد ولو لدقائق أمام حجج وبراهين خصمه. وبالتالي فإن هناك الكثير من المبررات والأسانيد التي تدل على أنه سؤال غبي.
وبالرغم من ذلك، ولأننا نعيش في زمن «العبثيّة»، فليُسمح لنا بطرح هذا السؤال بحثاً فقط عن بقية عقل، أو عن أثر من فهم، أو عن فُتات من لُب. والسؤال هو في جوهره قائم على ثلاث مطالعات. أولها لماذا يذهب كل هذا الغرب «الحضاري» بقيادة أمريكا، التي وضعت مقولة «دعونا نحلم» كأحد مفاصل فكرها السياسي والفكري والإنساني، وهي والغرب تقول إنها هي خط الدفاع الأول عن حقوق الإنسان ورفض الظلم، لماذا يذهبون، بكل عسكرهم «الحاقدين» وبكل أسلحتهم التي ملأها عفن الهمجّية، إلى فيتنام وأفغانستان والعراق وليبيا وأمريكا الجنوبيّة، فيدمرونها، ويقتلون أهلها بحجة أنهم يريدون إنقاذ تلك الدول من أنظمتها السياسية غير الديمقراطية، والخارجة عن القانون الدولي والإنساني ومبادئهما وقواعدهما وأخلاقياتهما، في الوقت الذي نرى فيه كل أهل تلك «القرى» ترفضهم، وتحتفل بيوم مغادرتهم أراضيها، بعد أن عاثوا فيها فساداً، بل وتَعتبر ذلك اليوم عيداً وطنياً. وفي الوقت نفسه أيضاًَ، يذهبون بعيداً في مساندة أنظمة ظالمة ومنكرة للديمقراطية، أو على الأقل هي أنظمة مرفوضة حسب معايير هذا الغرب؟
وثاني هذه المطالع أن هذا الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي، وبعض حلفائهم مِنّا ومن غيرنا، يساند كل الحركات الاحتجاجية التي تقوم في دولنا، ويمد أفرادها بالمال والسلاح، بينما، وفي نفس الساعة واللحظة والتّو، نراه يمد إسرائيل بكل أنواع الأسلحة، الحارقة والمارقة، لتقتل أهل الأرض الفلسطينية.
وثالث هذه المطالع، هو أنني وغيري، نقرّ ونعترف أن هناك بعض الأنظمة عندنا قد تجاوزت حد العدل وحد العقل في سياساتها، ولكن ألم يعلمنا هذا الغرب، بشقيّه، أن الثورة على هذه الأنظمة هي قرارات وشؤون داخلية، يجب على الآخرين عدم التدخل فيها. إذن كيف يسمحون لأنفسهم أن يشنّوا كل أنواع الحروب نصرة لهذا الفريق أو ذاك. ومن خوّلهم أن يتنطعوا لأداء هذه المهمّة، سوى ضعفنا، وقلّة إحساسنا بكرامتنا، وعجزنا عن إدارة قضايانا وأمورنا وأقدارنا ومقدراتنا.
وبالتالي أريد أن أحوم حول حمى السؤال الغبي وأقول، أليس كل طفل يحبو، أو كل صاحب عقل يخبو، يعرف، تماماً، الإجابة عنه، ويعرف أن العالم، بفضل الاستقواء الدولي الكريه، قد عاد للعيش في الغابة، وتحت قوانينها. وأليس من الأمور التي لا تخفى على أحد أن أكثر الدول بشاعة وقبحاً هي تلك التي ترفع عقيرتها منادية بالديمقراطية والحرّية والعدل؟ وإلا لماذا لا يناصر هذا الاستقواء الدولي الفلسطينيين حتى يستعيدوا أرضهم، وهو يعرف أنها أرض مغتصبة؟ ولماذا لا يعيد هذا الاستقواء الظالم أرواح الذين قتلهم «بدم بارد» في فيتنام وأفغانستان والعراق والشيشان وليبيا، إن كان فعلاً يبحث من الحق والإنسانية؟ ولماذا لا يعيد الممتلكات المسروقة والأموال المنهوبة إلى أصحابها، إن كان يريد العدل والإنصاف؟
ألم أقل لكم منذ البداية إنه سؤال غبي!!