مشكلتنا مع الفساد لا تتعلق فقط “برهط” من المسؤولين الذين استغلوا صلاحياتهم فامتدت ايديهم الى المال العام، وتورطوا في النهب والكسب غير المشروع، وانما ايضا مع حالة الافساد التي مارسوها لشراء ذمم الآخرين، واشاعة ثقافة الفساد في مجتمعنا وصناعة “طبقة” جديدة من “الاتباع” والمريدين الذين وظفوهم واستخدموهم لتلميع “صورهم” والتغطية على تجاوزاتهم واقناع الرأي العام بأنهم الاحرص على مصلحة الوطن.. والاكثر اخلاصاً وانتماء اليه.
لم تخلُ مؤسسة من مؤسساتنا من هذه “الطبقة” التي دارت في فلك “الفاسدين” الكبار، وترعرعت في ظلهم، واستنفعت منهم، ولو سألت عن اي قضية فساد جرى فتح ملفها لوجدت ان ثمة حلقة وربما حلقات تدور حول مركز “الرأس”، وتشكل شبكة “شيطانية” للدفاع عنه، والتمويه على تجاوزاته.
هذا بالطبع مفهوم في سياق محاولة هؤلاء الفاسدين الكبار لتعميم ظاهرة الفساد، وخلق مناخات عامة غير نظيفة، وتحصين انفسهم من “الانكشاف” امام الناس ومن المساءلة والمحاسبة ايضاً، وهو مفهوم ايضا على صعيد “الاتباع” الذين وجدوا في هذه الاجواء “فرصاً” ثمينة للحصول على المال الحرام والامتيازات غير المشروعة حتى لو كان ثمن ذلك ان يبيعوا ضمائرهم وقيمهم وينقلبوا على صوت “الفطرة” السليمة الذي يفترض ان يدلهم على الصواب.
غير المفهوم ان يقع من يعبر عن ضمير الناس ويمثل صوتهم وينقل معاناتهم ويضع نفسه في مهمة “الرقابة” على اداء الحكومات والمؤسسات وفي دور “الحارس” على اسوار المجتمع، ان يقع في هذه الحفرة، هذا لا يمكن السكوت عنه لأن وصول “الفساد” الى هذا الحد يعني اننا أمام حالة جديدة من “الافساد” وصلت الى عصب “المجتمع” واساءت الى ضميره العام وجرحت ثقة الناس بمن كان بمثابة “الناطق” باسمائهم وبقضاياهم ومعاناتهم ايضاً.
بصراحة، ثمة اشاعات تتردد حول “صحفيين” استفادوا من “سنوات” الفساد، وارتبطوا بعلاقات غير بريئة مع بعض رموزه، ودخلوا في “حلبات” الاشتباك بين مراكز القوى للتغطية على تجاوزات البعض او “لتزيين” مقرراتهم او لتمرير اجنداتهم، وهؤلاء غير معروفين حتى الآن، لكن المشكلة هي في تعميم “التهمة” على الجميع، بما يشوّه صورة “الصحافة” عموماً، مع اننا نعرف تماماً ان معظم اخواننا الصحفيين بريئون من ذلك، وبأنهم مارسوا دورهم باحتراف وأمانة، الأمر الذي يتطلب فتح هذا الملف، وتحديد المتورطين فيه.. ومحاسبتهم ايضاً.
من واجب نقابة الصحفيين ان تنهض بهذه المسؤولية، ومن واجبنا ان لا نخجل من “اثارة” هذه القضية علناً، لا من باب النقد الذاتي فقط، باعتبار ان اية مؤسسة مهما كانت محصنة لا تخلو من “الفاسدين”، ولا من باب “التشهير” لا سمح الله، وانما من باب الانصاف لصحافتنا التي ادت دورها باقتدار في السنوات الماضية، وملأت فراغاً كبيراً تركه آخرون في مجالات الرقابة والدفاع عن المال العام، ومن باب الدفاع عن “مهنة” الصحافة كمهنة والصحفي كضمير عام، وكشف “الاخطاء” التي ارتكبها بعض الداخلين على هذا الخط والخطايا التي تورطوا فيها.
من حقنا ان نعرف حقيقة قائمة الـ (51)، وان نضع حداً لهذه الاشاعات التي قد تسيء الينا كإعلاميين، ومن حقنا ايضاً ان ننهض “لسد” الابواب امام محاولات الفساد التي تهدد مجتمعنا.. ومحاولات الفساد التي نجحت في شراء ضمائر بعضنا ايضاً.