هل يدري العرب، كل العرب، والمسلمون كل المسلمين، والفلسطينيون كل الفلسطينيين، والعالم الحر كل العالم، هل يدري هؤلاء جميعاً عن أي سلام يتحدثون مع إسرائيل؟. نسوق ذلك وقد شاهدنا يوم الثلاثاء الماضي (24/1/2012) الدكتور عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب (بالرغم من اتفاقك معه أو اختلافك)، شاهدناه على شاشات التلفزيون، وقد وُضعت يداه في القيود، ورُبطت قدماه بالحديد، بصورة لا أبشع ولا أقذر. فهو أولاً إنسان وثانياً رئيس مجلس تشريعي فكيف يهون علينا أن نراه يرسف في أغلاله وكأنه حيوان شرس، وكأنه شخص لا يحتل مركزاً محترماً بين أهله وفي بلده. هذا الإنسان الذي يُعامل بكل احتقار وإهانة لجميع الأعراف والتقاليد والحقوق الإنسانية، يَمثُل أمام محكمة؛ قاضيها ومدعيها العام وشرطتها وكاتبها وحاجبها هم من الغرباء المحتلين، الذين جاءوا مطرودين من قبل مجتمعات الغرب والشرق، لأنها رأت في هؤلاء الصهاينة اعتداءً عليها، بعد أن أصبحوا مصدر قلق وتدمير وتشويش وضرر مستمر. ولذا اندفعت هذه المجتمعات، وبكل قوّة وحزم وتصميم وإصرار نحو طردهم، وكان من سوء حظ العرب والمسلمين أن اختيرت فلسطين لإسكان هؤلاء الطغاة الإرهابيين المخربين.
يوم الثلاثاء، اتخذت سلطات الكيان الصهيوني، ممثلة بالمحكمة العسكرية، قراراً بتحويل اعتقال الدويك إلى اعتقال إداري الذي يعني إمكانية السجن لستة أشهر دون محاكمة، ومن ثمّ يجري تمديد التوقيف إلى ما شاء الله.
فقط، ولعلم العرب والمسلمين، ولاطّلاع العالم الذي يتشدق بالحرية وبحقوق الإنسان وبالديمقراطية، أنها هذه المرّة الثانية التي يعتقل فيها الدويك، إذ كانت الأولى عام 2006 حيث قضى ثلاث سنين في السجن، بالرغم من أنه كان ممثلاً للشعب الفلسطيني. فقط، أيضاً، ولعلم العرب والمسلمين، ولاطّلاع العالم الذي ينادي بحرية الشعوب وبحقهم في تقرير مصيرهم أن هناك أكثر من ستة وعشرين نائباً إضافة للدويك، يقبعون في سجون الاحتلال، وذلك من مجموع 132 نائباً هم أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني؛ وإضافة إلى وزيرين معتقلين منذ أكتوبر 2010.
المشهد الذي رآه العالم يوم الثلاثاء الماضي، وما يراه باستمرار حين إحضار مروان البرغوثي وغيره الكثير إلى المحكمة، يثير القرف والقهر، والإيمان بأن لا سلام مع الكيان الصهيوني، الذي قام، أصلاً، على الاحتلال والظلم والاستبعاد، الذي يولّد، كل يوم، المزيد من فقدان الأمل في أننا، كعرب ونحن على ما نحن عليه، ويمكن أن نستعيد حقوقنا المغتصبة. فطالما بقينا أمة «قد ضحكت من جهلها الأمم»، فلن تقوم لنا قائمة. حتى السماء لن تعود تقبل دعاءنا بأن يشتت الله شمل اليهود، ويرينا فيهم يوماً أسود، ويجعل الدائرة تدور عليهم، وإن ييتم أطفالهم، ويثكّل نساءهم. فالسماء تقول «إعقلها وتوكل». وتقول لا تعلقوا فشلكم على مشاجب الدعاء فقط.
فقط، ثالثة، أريد أن يُحصي العرب، المبادرات التي أطلقوها، والمبادرات التي أطلقها العالم لحل القضية الفلسطينية على قياسات العدل والحق، كم هي كثيرة ولكن هل من مجيب. فالاستقواء الدولي يرينا من طرف اللسان حلاوة، ويروغ منا أكثر مما تروغ الثعالب.
فقط، رابعة، دعونا نستجمع قوتنا وإمكاناتنا ثم نتوكل عليه، جلّت قدرته، الذي يقول «إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم» منظر الدويك وهو مقيّد كالوحش الكاسر، يثير السّخط والاشمئزاز، ويؤكد اليقين بأننا نستاهل كل ما يجري. نحن نتحدث عن السلام الحقيقي، أما هم فعن أي سلام يتحدثون. هم يتحدثون عن سلام القوّة، ونحن نتحدث عن سلام الاستجداء والخذلان والضعف وعن سلام «الشحادين». العدو يضربنا بكل أنواع الرصاص المذاب وغير المذاب، ونحن لا نزال نتباكى على أبواب الأمم المتحدة نريد فقط أن يعترف الناس بنا «كدولة»، رافعين الصوت بأننا طلاب سلام. ولكن هل سألنا أنفسنا يوماً هل الآخر طالب سلام؟!