جاء مقتل اربعة من الجنود الفرنسيين قبل ايام على يد جندي افغاني حليف بعد اقل من اسبوعين على نشر شريط فيديو يظهر اربعة من جنود المارينز وهم يتبولون على جثث مقاتلين من الطالبان. من الصعب على قيادة حلف الناتو فهم ظاهرة انقلاب الجنود الافغان على مدربيهم من الجنود الغربيين. وهي ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يقوم بها جندي افغاني او اكثر بفتح نيران رشاشه على جنود من حلف الناتو يحتلون بلاده منذ عام 2001 بحجة تحرير افغانستان واعادة بناء ما دمرته الحرب ووضع هذا البلد المعقد التركيب والقابع في اخطر منطقة من غرب آسيا على طريق الديمقراطية الغربية!.
لم يعد أي قيادي غربي يتحدث عن خطر القاعدة في افغانستان وعندما قام الجنرال ستانللي ماكريستال بتقديم ايجاز عن مجريات الحرب امام لجنة من الكونغرس في عام 2009 لم يذكر اسم القاعدة ولا مرة ما دفع بالسيناتور ليندسي جراهام الى تذكير الجنرال، الذي طرد فيما بعد لتهكمه على ادارة الرئيس اوباما، بضرورة الاشارة الى وجود القاعدة التي شكلت ذريعة احتلال اميركا وحلفائها لافغانستان. ومؤخرا ذكر الصحفي مايكل هيستنغز بتصريح مأثور لمستشار الأمن القومي السابق لاوباما وهو الجنرال جونز والذي قال ان عدد منتسبي القاعدة في افغانستان لا يتجاوز المئة عنصر.
اذن، فاستمرار الحرب في افغانستان لا علاقة له بالقاعدة، خصوصا بعد اغتيال اسامة بن لادن صيف العام الماضي، والقتال الدائر هو بين فلول الطالبان من جهة واكبر قوة عسكرية حديثة في العالم أي حلف الناتو والجيش الافغاني الحكومي من جهة اخرى. ونظرة سريعة الى ما انجزه تحالف الاطلسي في افغانستان خلال العقد الماضي تؤكد ان الهدف الاستراتيجي للحرب وهو اخضاع الطالبان وتثبيت حكم حامد كرازي والقبائل المتحالفة معه لم يتحقق، بل ان الوضع اليوم اعقد كثيرا مما كان عليه قبل سنوات.
اثبت الطالبان انهم قوة لا يستهان بها على الرغم من اتباع واشنطن وحلفائها لأكثر من اسلوب وتكتيك للاطاحة بهم بدءا من تعزيز القوات التدريجي الذي طالب به الجنرال باتريوس وانتهاء بتكثيف استخدام طائرات الدرونز بدون طيار والتي تسببت في اراقة دماء مدنيين ابرياء وازمت العلاقة بين واشنطن وكل من كابول واسلام أباد. وفي كل الأحوال فان تعامل ادارة اوباما مع نظام كارزاي كان ينقصه الاحترام والثقة المتبادلة. يقول هيستنغز انه سمع من مسؤولين في الادارة الاميركية ان كارزاي مصاب بالاكتئاب وانه مدمن على المخدرات، وان ماكريستال كان يسميه بالرجل ذي الطاقية المضحكة!.
فشلت عملية كسب قلوب وعقول الافغان منذ سنوات. ونقلت تقارير صحفية عن ضباط في حلف الناتو ان الجنود الافغان كسولون وانهم لا يشاركون في عمليات عسكرية ضد الطالبان وان ضباطا افغانيين يبيعون اسلحة وعتادا في السوق السوداء وان بعضهم لا يخفي تعاطفه مع الطالبان وكراهيته لنظام كارزاي. واذا كان الضباط الافغان يسرقون العتاد ويبيعونه فان المقاولين الاميركيين متهمون بسرقة ملايين الدولارات وبالتآمر مع وزراء ومسؤولين افغان لنهب اموال خصصت لاعادة الاعمار والبناء. وكما الوضع في العراق فان ديوان المحاسبة الاميركي يبحث عن بلايين مفقودة خصصت لمشاريع في البلدين وفقدت دون ان تنفذ هذه المشاريع.
انهى الرئيس اوباما حرب العراق وانسحب وجنوده تاركين ذلك البلد يواجه مصيرا اسود بعد ان سقطت كل شعارات اعادة الاعمار وتخليص العراقيين من الاستبداد ومنحهم نعمة الديمقراطية. واليوم يفكر الفرنسيون جديا في الانسحاب من افغانستان قبل موعد 2014 الذي اتفق عليه. جاء حلف الناتو على ظهور الدبابات وامتطى صهوة الطائرات واطلق آلاف الصواريخ على بلد منهك بحجة انقاذه واصلاحه. لكنه ابدى احتقاره لتراث هذا البلد وتاريخه وثقافته وساهم في تعزيز الانشقاق بين ابنائه وزرع بذور الحروب القبلية ونشر الفوضى في ارجائه. وكما نتذكر فضائح ابو غريب في العراق وفظائع الاميركان بحق العراقيين، سنتحدث لسنوات عن تدنيس المارينز لجثث قتلى الطالبان ومجازر طائرات الدرونز وعودة امراء الحرب وزراعة الافيون الى افغانستان.
سينتهي الأمر بالتفاوض مع الطالبان وتسليم افغانستان لهم، والمحزن في الأمر ان مصائب الافغان ستستمر لعدة سنوات بعد ان ينسحب حلف الناتو وهو لم يحقق ايا من اهدافه!.