“إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة…”
(حديث صحيح)
منذ عام 2001 تصدر المنظمة العالمية للشفافية سنوياً تقريراً هاماً هو تقرير النزاهة، يقيس هذا التقرير حجم الفساد في القطاع العام عبر العالم، ويأخذ في الحسبان قضايا كإساءة استخدام السلطة والرشوة، وكفاءة الأجهزة الرقابية واستغلال المنصب والاختلاس، والقرارات الخاطئة، ومن ثم تصنف الدول حسب الدرجات التي حصلت عليها، فالدول المتفوقة هي التي تقترب درجاتها من العشرة وتمثل الأقل فساداً، بينما الدول الأكثر فساداً هي التي لم تحصل على أكثر من درجة واحدة.ولأن الفساد لا يتم إلا تحت جنح الظلام ووراء الأبواب المغلقة ولا يمكن رصده، لذلك فقد بُنيت الدراسة على انطباعات وتصورات رجال الأعمال والأكاديميين والمحللين، من خلال أربع عشرة دراسة فرعية تصب نتائجها في تقرير النزاهة.
صدر تقرير النزاهة لعام 2011 مؤخراً، وشملت الدراسة مائة واثنين وثمانين دولة، واحتفظت الدول الاسكندنافية ونيوزلندا وسنغافورة بالمراكز الأولى التي تبوأتها في الدراسات السابقة، وكانت دول الصومال وكوريا الشمالية وميانمار وأفغانستان هي الدول الأكثر فساداً، والأمر المؤسف أن الدول العلمانية تتفوق بشكل واضح على الدول العربية والإسلامية، مما يبرهن على ابتعادنا عن روح الدين من الأمانة والاتقان والأخلاق الحميدة، ولحين فهمنا السليم للإسلام كمنهاج متكامل للحياة سنبقى في ذيل الدول .
الأردن حصل على المركز السادس والخمسين بــ 4,5 نقطه متراجعاً عن دراسة العام السابق حيث كان يحتل المركز الخمسين بــ 4,7 نقطه ، وبحيادية يستطيع المدافع أن يقول بأننا نقع ضمن الثلث الأول مع الدول النزيهة و نسبق ثلثي دول العالم، وهذا أمر صحيح، ولكنه لا يلبي طموحنا في التفوق ضمن مصاف الدول الأولى، وهي واحدة من أولويات الشعب، خاصة وأن دولة مارقة غاشمة وهي الكيان الصهيوني تحتل المركز السادس والثلاثين، ودول عربية شقيقة ساهمنا في بنائها قد سبقتنا كدولة قطر التي تحتل المركز الثاني عشر، والإمارات التي تحتل المركز السادس والعشرين.
وعند مقارنة نتائج الدراسة خلال العامين المنصرمين، أهم ما نجده أن ثمة علاقة تربط بين التغيير وزيادة حجم الفساد، فالدول العربية التي شهدت ثورات ازدادت فساداً، رغم أن الفساد المستفحل كان بالأساس من أهم أسباب قيام الثورات العربية. كما أن الدول التي نشأت من تفكك الاتحاد السوفييتي، وتلك التي شهدت تدخلاً عسكرياً كالعراق وافغانستان هي من أكثر الدول فساداً في العالم.
ولا شك في أن أخطر وقائع الفساد التي شهدناها في بلدنا حدثت إبان التغييرات الاقتصادية التي شهدتها البلاد في العقد الماضي، عندما حرر الاقتصاد وبيعت المؤسسات ودخلت الشركات العملاقة، وتدخل البنك الدولي وصندوقه بشكل سافر في اقتصادنا.
والآن استجابة للضغط الشعبي آن الأوان لمحاسبة الفاسدين، وبقدر ما يهمني إحالة الذين سرقوا مقدرات الوطن إلى القضاء، فإنه يهمني أيضاً ألا يظلم مسؤول خدم وطنه بأمانة وإخلاص، وأخشى ألا يعدو الأمر مجرد تقديم أكباش فداء لتهدئة الشارع. وبقدر حرصي على تقديم الفاسدين للعدالة بالأدلة والبراهين، يهمني ألا نصبح سيوفاً مسلطة على رقاب المسؤولين فنشلّ طاقاتهم وإبداعاتهم، ونُحرم من كفاءات في العمل العام بتهرّبها من الشائعات.
هذه الدراسة تصور المشكلة ولكنها لا تقدم الحلول، فالحلول بأيدينا من تقوية وتعزيز دور المؤسسات الرقابية، وتحديد صلاحيات المسؤولين بشكل واضح وخاضع للمتابعة، وأن نتعلم العمل ضمن الفريق وبشكل مو