لسبب أو لآخر لم أكن أتصور بأن لدى المرأة الحديدية في الإعلام الأردني الزميلة رولا الحروب حجرة دموع كبقية خلق ألله فهي مذيعة شرسة ومحاورة تهرب منها الشوارب واللحى ولا يمكن التلاعب معها على الشاشة خصوصا في برنامجها الشهير (في الصميم) على شاشة فضائية جوسات الخاصة.
.. صديقتنا خذلتنا جميعا وأظهرت حسا مرهفا للغاية بعدما هزمت قصة إنسانية صلابتها وعلى مرأى من الجميع فقد وقف المحامي صالح العرموطي مشدوها وهو يراقب مستضيفته الشرسة مهنيا وهي تبكي خلال التواصل الهاتفي مع إبنة البوعزيزي الأردني الذي توفي فقرا وحرقا دون أن ينتهي الأمر بأي ثورة من أي نوع في البلاد.
الفتاة كانت تتحدث للبرنامج عن بعض وصايا والدها الحريق الراحل وتشرح كيف خذله الجميع في المؤسسات الرسمية والملكية وحتى في مؤسسة العشيرة والعائلة التي سارعت لإختطاف الجثمان ودفنه في قريته جنوبي البلاد بعدما أصر أولاده على دفنه في العاصمة عمان حتى يتحول إلى رمز للقضية التي سقط الرجل من أجلها في العاصمة وهي قضية البسطاء والفقراء والهامشيين الذين لا يلتفت لهم أحد.
وعندما قالت الفتاة: أرجو أن تحتسبوا والدي شهيدا .. ظهرت دموع رولا الحروب على الشاشة فالمواطن أحمد المطارنة هو عمليا أول أردني يموت بحرق نفسه في مجتمع قبلي وعشائري يدعي منذ قرن بأن الأقارب والعائلة (مظلة) للإنسان حتى عندما تخذله الدولة .
ما قالته الفتاة بسيط عن أقاربها وعشيرتها والفاسدين الذين تسببوا بإنتحار والدها وعلى الهواء مباشرة عندما صاحت: هؤلاء الذين خطفوا جثمان والدي لدفنه بينهم لم نرهم إطلاقا ونحن نعاني.. لم يسألوا سابقا عنا.
ويبدو أن هذه النقطة الحرجة في الكمين السياسي الذي فضح فكرة التضامن العائلي والعشائري في الأردن فقد تغيرت الدنيا لأن وظيفة الأقرباء الأثرياء إنكشفت بعد قصة المطارنة وتتمثل في تأمين دفن قريبهم الذي مات فقرا وإقامة سرادق العزاء فيه ليس أكثر بعد إظهار التعاطف اللفظي على الكاميرات وتعداد مزايا الفقيد.
لم تكن الأحوال في بلادي على هذا الشكل خصوصا فيما يتعلق بالتضامن والتكافل مع الضعفاء من أهلنا وأقاربنا ففي كل القرى الأردنية يساعد الميسور المحتاج وليس العكس وفقا للقاعدة الطريفة التي يقترحها أحد الزملاء والتي تقول (إللي معوش بيعطي إللي معاه) وهنا حصريا طبقت هذه القاعدة فالراحل المطارنة منح بعض الأقرباء فرصة التحدث لكاميرات الفضائيات.
لكن البوعزيزي الأردني هزم فكرة التكافل تماما كما هزم أيضا نخبة من تجار النفاق والولاء الناطقون بإسم الدولة والملك والنظام فهؤلاء يسارعون للإطمئنان على شاة لو تعثرت من أي قطيع يملكه أحد المحظيين والنافذين لكن فصاحتهم خذلتهم عندما تجاهلوا مجرد السؤال عن المبررات التي تدفع مواطنا لمحاولة الإنتحار أربع مرات وبالقرب من القصر الملكي.
وبعيدا عن الشاشات سمعت بأذني سياسيين كبارا وهم يسخرون من الواقعة ويتهربون من المسؤولية في التعاطي مع حادثة مؤلمة كحادثة المواطن المطارنة ويتعاملون مع الأمر على أساس أنها مجرد محاولة للتقليد و(دلع إجتماعي) ورغبة في استقطاب الإعلام.. هذا المنطق ينسى حقيقة أساسية وهي أن من أحرق نفسه مواطن أردني بسيط كان يخدمهم للتو في بلد النشامى الذي يتغنى إعلامه يوميا بالفروسية والشهامة والمروؤة والإيثار والتضامن والتكافل.. لقد قتل المطارنة ولم ينتحر في بلد الرسالة السماوية ووراثة الرسالة النبوية ونقطة تجمع الأديان والعشائر التي تغطي الشمس والصخرة التي تتحكم عليها مشاريع الأعداء ومبادئ الثورة العربية.
وخلافا لما يحاول تسويقه تلفزيون الحكومة بيننا القاتل في جريمة المطارنة ليس مجهولا.. إنهم هؤلاء الذين يتحدثون يوميا بيننا بإسم القرار والدولة والنظام من الذين ركبوا على اكتافنا لتمثيلنا لا لكفاءة مهنية ولكن لإنهم خبراء في تضليل الرأي العام والقيادة معا … وهؤلاء حصريا قد يكونوا السبب في دموع الزميلة المبدعة رولا الحروب لأنها مثلي ومثل معظم الصحفيين تعرفهم جيدا وتعلم كيف يمارسون اللعبة.